المصرى اليوم صدمت سفينتهم مركب «خفر سواحل» إيطالية
كتب محمود الزاهى وجيهان خليفة
كشف ٣ أسر من المنوفية عن حادث غرق ٤٠ شاباً مصرياً في المياه الإقليمية الإيطالية يوم ٢١ أغسطس الماضي مأساة إنسانية تعيشها قرية أبو المكارم، توجه الشباب بطرق غير شرعية لإيطاليا عن طريق ليبيا وفي منتصف البحر تعطلت السفينة التي كانت تقلهم، وطلبت استغاثة من الجانب الإيطالي وجاء الرد باصطدام بالسفينة وشطرها إلي نصفين، وهرب الجميع من السفينة. وأخذوا يصارعون الموج والموت قرابة ساعة، و«كشافات» السفينة الإيطالية تراقبهم وبعد ذلك، ألقي طاقم السفينة الإيطالية بـ«قوارب» صغيرة، لم تمنع الكارثة!
«المصري اليوم» توجهت إلي قرية ميت أبوالكوم بلد الرئيس السادات، والتي ودعت ٣ من أبنائها لقوا مصرعهم في الحادث، وفي الوقت الذي انتظر فيه الأهالي عودة أبنائهم محملين بثروات وأموال تعوضهم عن شبابهم وشقاء السنين، سينتظرون عودة جثثهم في صناديق خشبية، «الناجون» أو الهاربون من الموت أكدوا في اتصال مع «المصري اليوم» من إيطاليا، أن السفارة المصرية تتبني وجهة النظر الإيطالية، بأنه لا يوجد سوي ١٠ جثث فقط، وأن الباقي في عداد المفقودين، والسفارة تحركت فقط بعد الحادث بـ ٧ أيام وبالتحديد في ٢٨ و٢٩ أغسطس بعد أن ضاع كل شيء! لتشهد المياه الإقليمية الإيطالية سيناريو «السلام ٩٨» مرة ثانية.
بصعوبة بالغة روي محمد عبدالمجيد الغراب شقيق محمود أحد المتوفين قصته قال: توفي والدي منذ عامين وترك لنا فدان أرض أعمل فيه أنا وأخي الأكبر خالد ومحمود الشقيق الأصغر وجميعنا حصل علي مؤهلات متوسطة كان آخرها حصول محمود علي شهادة دبلوم الزراعة عام ١٩٩٢.
بسبب إصابتي بمرض مزمن في الكبد تحمل محمود مصاريف الأسرة الكبيرة فجميعنا متزوج ولديه أولاد، محمود كان دائم السفر إلي ليبيا منذ عام ١٩٩٥ لكنه عاد منذ ٦ أشهر وقرر السفر إلي إيطاليا بعدما وجد أن الحال في مصر لم يتغير، بعنا ما نملك من مواش واقترضنا من المعارف لندبر مبلغ ١٠ آلاف جنيه وهي مقدم السفر وتبقي مبلغ ٢٠ ألف جنيه تدفع للمهرب بعد وصول الشخص إلي إيطاليا.
في يوم الأربعاء ٩ أغسطس حضر المهرب وتسلم المقدم وفي اليوم التالي ودع محمود أسرته في الصباح مغادراً إلي ليبيا ومعه اثنان من أبناء القرية وصل محمود طرابلس وظل منتظراً في «التخزين» حتي استقل المركب في فجر الثلاثاء ١٤ أغسطس بعد أن اتصل بأسرته وطمأنهم عليه قبل أن يتم سحب أجهزة المحمول الشخصية منهم.
ضمت المركب ٧ من أبناء قرية ميت أبوالكوم ومنذ الثلاثاء وحتي الجمعة بدأ الأهالي يسمعون أن المركب معطل في المياه، في نفس يوم الجمعة الساعة الـ ٦ مساء حضر المهرب إلي منزل أسرته وأخبرهم أن المركب تم إصلاحه وأنه اقترب من الوصول وطلب باقي المبلغ إلا أن الأسرة رفضت إعطاءه إياه إلا بعد أن تطمئن علي وصول ابنهم إلي الشاطئ بعدها ازداد قلق الأهالي بعد أن اكتشفوا أن المهرب طمأنهم حتي يستطيع الحصول علي أموال جديدة من نفس البلد وأنه بالفعل جمع مقدما من ١٠ أفراد آخرين سافروا بعدها إلي ليبيا.
وفي يوم الأحد بدأت الاتصالات تنهال علي البلد من الناجين، أكدوا لذويهم أن المركب استغاث بغفر السواحل بعد دخوله المياه الإقليمية الإيطالية وأن أحد المراكب التابع لغفر السواحل سمع الاستغاثة وتوجه إليهم إلا أنه صدم المركب الذي يحمل المهاجرين مما أدي إلي غرق المركب وإصابة المهاجرين واختفاء ٤٤ مصرياً من بين ٧٠ مصرياً كانوا عليه وأن ثلاثة من أبناء ميت أبوالكوم وهم عيد الشحيمي ومحمود الغراب وأحمد عبدالوهاب كانوا من بين القتلي.
وفي يوم الاثنين اتصلت مجموعة أخري من الناجين وهم في حالة اضطراب وأخبروا أهلهم أنهم محتجزون تحت التهديد بسجن «كاتانا سيتي».
وأن أحد الناجين من أبناء القرية وهو «عزت بدر» دخل المستشفي لإصابته بغيبوبة سكر وأنه شاهد الجثث هناك وتعرف عليها وأنها وضعت تحت أرقام ٣٢ و٣٣ و٣٤ وعندما طلب أن يعود بها إلي مصر تم تهديده وقيل له باللفظ الواحد وباللغة العربية «عيش.. وخلي أخوك الموجود في إيطاليا يعيش.. وخلي أهلك في مصر يعيشوا».
ويؤكد محمد: الاتصالات أكدت أن السلطات الإيطالية سهلت هروب هؤلاء الأفراد إلي داخل إيطاليا بل حجزت لهم تذاكر القطار إلي الجنوب في مقابل ضمان صمتهم عن الحادث خوفاً من ثورة جمعيات حقوق الإنسان هناك.
أما الأم أمينة أبوالعينين فقالت: أخذت محمود في حضني بعد أن قبلني ودعوت له «الله ينور طريقك» وطلبت منه أن يأخذ صورة إسراء ابنته رحل مواعدني بحج بيت الله الحرام. أضافت أنه عريس متزوج من أربع سنوات ولديه إسراء عمرها ٣ سنوات وزوجته حامل في بنت في الشهر التاسع.
وتسرب القلق إلي قلبي عندما شاهدت شقيقيه يترددان علي الخارجية وعندما أسألهما فيه إيه يقولان إن محمود ذراعه مكسورة رفضت البقاء في البيت خرجت لأسأل الناس عن ابني المسافة بين منزل محمود ومنزل أحمد عبدالوهاب الضحية الثانية نحو ١٠٠ متر أصوات القرآن تعلو في المنازل.
داخل منزل بسيط التقينا عبدالوهاب غباري مدير الجمعية الزراعية بالقرية ووالد «أحمد» الضحية الثانية قال: ابني شاب تخرج من الجامعة وجد أخويه الاثنين مؤهلات عليا لا يجدان عملا وجد شباب البلد يسافر لإيطاليا فقرر السفر مثلهم خارج البلد، أخبرنا أن السبب في ذلك أنه يبحث عن فرصة عمل لشقيقه محمد وأن أحمد راح خلاص وهو يخشي إذا تكلم أن يحرم أخاه من أي فرصة عمل.
الأم «نجاة عبدالعليم» لا تكف عن الصراخ والبكاء لم تكن تعرف أن شيء عن الحادث فوجئت بالأهالي يدخلون عليها يواسونها وعندما سألتهم أخبروها أن المركب غرق، تماسك الأب وقال: أبسط شيء أن يتم إحضار الجثث وإحنا راضيين بقضاء ربنا.
المهندس ممدوح عودة عم أحد المتوفين قال إنه تابع الحادث مع وزارة الخارجية منذ اليوم الأول، وأضاف أن المركب كان عليه ١٢٠ فرداً من بينهم ٧٠ مصرياً لم ينج منهم سوي ١٨ فقط، مشيراً إلي أن أبناء القرية في إيطاليا ذهبوا للقنصل هناك في اليوم الثاني لكنه طردهم بحجة أنه لم يصله أي خطاب رسمي من وزارة الخارجية في مصر وأنه لن يتحرك إلا إذا خاطبته الخارجية المصرية وأضاف: طلب أبناء البلد في إيطاليا يوم الأحد إرسال فاكسات بصور الجوازات إلي إيطاليا وبالفعل قمنا بإرسالها لهم، وفي يوم الاثنين ٢١ أغسطس توجهت للخارجية المصرية وقابلت موظفا اسمه «أسامة حسين» وطلب مني صورة لكل واحد وكتابة طلب للخارجية ونفذت ذلك وبالفعل تم إرسال فاكس من الخارجية إلي السفارة في روما.
في نفس اليوم ذهبت إلي مبني وزارة الخارجية وقابلت السفير سيد طنطاوي نائب مساعد الوزير للشؤون القنصلية بناء علي اتصال تليفوني من النائب أنور عصمت السادات، وطلب منا السفير إعطاءه البيانات وصور الجوازات وقال إنه سوف يرسل فاكساً للسفارة في روما وتمت كتابة الفاكس في وجودنا.
ذهبنا يوم الأربعاء الماضي للخارجية وجدنا فاكساً من السفارة في روما بأسماء ٤٤ شاباً مفقودين بينهم ٢٥ مصرياً ووجدنا أسماء كل من عيد ومحمود وأحمد بينهم والفاكس مرسل إلي السفارة المصرية في روما من الاتحاد العام الإيطالي للجمعيات الخيرية وقد ذكر الفاكس أن هذه المعلومات غير مؤكدة لأنها اعتمدت علي روايات الناجين.
وأضاف أنه أخبر السفير بأن أبناء ميت أبوالكوم في عداد القتلي وليسوا مفقودين فتم إطلاعه علي صور عشر جثث بها إصابات بالغة وعليها آثار دماء لم يكن من بينهم أحد من أبناء ميت أبوالكوم، مشيراً إلي أن هذه الصور حصل عليها ابن شقيقه إيهاب وهو مقيم في إيطاليا ومتزوج من إيطالية، شقيقها ضابط استطاع مساعدة إيهاب بالحصول له علي صور الـ ١٠ جثث وأن إيهاب أخبر القنصل عندما سمح له بمقابلته بقصة الصور فطلب منه إعطاءه نسخة منها وأرسلها إلي الخارجية المصرية؟!
من داخل منزل عبدالوهاب غباري أجرت «المصري اليوم» اتصالاً هاتفياً بشاهد العيان في إيطاليا ويدعي «عزت بدر» قال: إنه شاهد الجثث الثلاث في جزيرة سيسليا وأنها دفنت هناك وأضاف: أنه أصيب بغيبوبة سكر دخل علي إثرها المستشفي وهناك تعرف علي أحد الأطباء وطلب منه رؤية الجثث لكنه ظل يتهرب منه وبعد أن ساءت حالته ووصل السكر لديه إلي ٣٧٠ درجة أشفق الطبيب عليه وأخذه إلي الثلاجة حيث تعرف علي الجثث الثلاث من الملابس لأن معالم الوجه كان من الصعب التعرف عليها.
وأضاف أن القنصل المصري هناك قابله وطلب اسمه وبياناته وظل يسأل عن أشياء ليس لها علاقة بالحادث.
ونفس الشيء حدث مع وزير النقل الإيطالي الذي أصر علي أنه تم إخراج ١٠ جثث ومازال البحث جاريا عن المفقودين وأغلق الموضوع بعدها ومنع وصول الصحفيين إليهم، وأضاف «عزت» أنه هرب من الحجز بعد مقابلة القنصل المصري لأنه عرف أنه مفيش تسلم جثث وفي نفس الوقت كان مهدداً بترحيله لمصر».
وقال زميله عبده شلبي أحد الناجين لـ«المصري اليوم»: بعد أن مكثنا في المياه ٥ أيام أرسلنا استغاثة لمركب لكنه ضرب المركب الذي كنا عليه ووقف من كانوا علي المركب الثاني علي بعد كيلومتر يتفرجون علينا ونحن نغرق.
هبط من فوق المركب لنشات صغيرة وقفت علي بعد ٥٠ متراً من موقعنا وكان علينا أن نسبح حتي نصل إلي اللنشات التي كانت تنقل في كل مرة ١٠ أشخاص إلي المركب الكبير. وأضاف: كان علي المركب ١٣٢ فرداً من بينهم ٧٠ مصرياً لم ينج منهم سوي ١٨ وقال سعيد حامد والد عيد الضحية الثالثة من القرية إنه لا يملك من الدنيا شيئاً غير ابنه المتوفي.
وقالت شقيقته آيات إنها علمت بالخبر بعدما كثرت الشائعات في البلد وأنها سلمت عليه قبل السفر وطلب منها أن ترعي إخوتها ووالدتها وأن شقيقها سافر من أجل تجهيزها إذ من المفترض أن يتم فرحها في العام المقبل.