إعلام القارئ الواحد!


بقلم سليمان جودة

النائب المستقل أنور عصمت السادات، التقط ما كتبته في هذا المكان، صباح الثلاثاء الماضي، حول المسابقات التليفزيونية، التي تجري تليفونياً، وعلامات الاستفهام التي تحيط بها، وقدم طلب إحاطة، بشأن الموضوع، إلي الوزير أنس الفقي.. ولم يكن النائب يدري، أن الوزير كان قد استجاب، بعد النشر بساعات، وقرر تشكيل لجنة عليا، تتولي الموضوع من أوله، إلي آخره، وتضع الضوابط الصارمة التي تبدد الظنون والشكوك.

وحقيقة الأمر، أن استجابة الوزير، تبدو في حد ذاتها، شيئاً غير طبيعي، ومفاجأة غير متوقعة، لأن الطبيعي الآن، والعادي جداً في الوقت الحالي، ومنذ فترة، ألا يستجيب أحد لتساؤلات الرأي العام، ولا يعيره أدني اهتمام.. فالمسؤول يشعر بينه وبين نفسه، بأن الرأي العام لم يأتْ به إلي موقعه الذي يشغله... وبالتالي، فهو حريص علي إرضاء الذي أتي به، إلي المنصب، ولا قيمة للرأي العام عنده!!.. لأنه، والحال هكذا، لا يقدم ولا يؤخر!!

أما هوان الرأي العام عندنا، علي وزرائه وحكوماته، إلي هذا الحد، فسببه أن بيننا مسؤولين كباراً، يجاهرون أمام الناس، بأنهم لا يطالعون سوي صحافة الحكومة.. وليس للصحافة المستقلة أو الحزبية مكان عندهم، مع أنها هي التي تعكس، علي نحو أكبر وأوسع، اهتمامات الرأي العام، وأفكاره وقضاياه!

وإذا كانت هناك مستشفيات جراحة اليوم الواحد، فإن لدينا اليوم، ما يمكن أن نسميها بصحافة القارئ الواحد... وليس مقصوداً به، هنا الفرد أو القارئ الواحد، حرفياً، لأنها صحافته، وصحافة دراويشه وأتباعه، ومريديه، ومعجبيه، والمنتفعين من حوله، ورجاله، وأذياله... والطبيعي، أن المسؤول، من هذا النوع، يقرأ الصحافة التي ترضيه، وتسعده، وتدغدغ مشاعره، ولا يريد أن يقترب من الصحافة، التي تواجهه بالحقائق، وتنصحه لوجه الله، ثم لوجه الوطن.. إنه مثل المشاهد الذي يبحث عن الفيلم، أو البرنامج، أو التمثيلية، التي تخاطب مزاجه، ولا يرغب في العكننة علي نفسه.

والمشكلة أن صحافة القارئ الواحد هذه، لو كانت تنفق علي نفسها، من جيبها، وتغطي تكاليفها، دون نهب لثروات الدولة، وأموال دافعي الضرائب أولاً بأول، ما كانت هناك مشكلة.. ولكنها صحافة تخسر، وتستدين كل يوم، ولولا دعم الدولة لها، سراً وعلانية، لكانت قد أغلقت أبوابها من زمان.. وإلا.. فهل يصدِّق أحد، في رأسه عقل، أن صحافة القارئ الواحد، عليها ديون بلغت ستة مليارات جنيه؟!.. وبالعربي الفصيح ستة آلاف مليون جنيه.. يعني رقم ٦ وأمامه ١٢ صفراً!!.. مع أنها كانت في حاجة إلي صفر واحد، إذا كنا نريد حقاً، أن نضع تقييماً لأدائها!!

وإذا كان الأمر لا يقتصر علي الصحافة وحدها - حتي لا نظلمها - وإنما يمتد إلي الإعلام كله - مسموعاً ومرئياً - فإن ما يفعله أنس الفقي منذ جاء الوزارة، هو محاولة الخروج من إعلام المشاهد والقارئ الواحد إلي إعلام الوطن علي امتداده.

0 comments :

إرسال تعليق