الإصـلاح الدستـورى والتعديلات المطـروحـة المقترحة

حزب الوسط الجديد


يقوم النظام الديموقراطى على عدة أسس لم تعد محلاً لكثير من الاختلاف وإن كان هذا الإختلاف وتباين الآراء مازال قائماً ووارداً حول كثير من التفصيلات والحلول الواقعية التى قد تناسب بلداً أكثر مما تناسب بلداً آخر. ولكن أساسيات النظام الديموقراطى والتى اراها هي :
أولاً : حرية تكوين الأحزاب وإزالة كل العوائق التى تحول دون حريتة نشأتها وحرية حركتها وأن لا يُمنع إلاّ الأحزاب التى تنشئ ميلشيات عسكرية أو التى تدعو إلى إقامة دولة دينية وتفرق فى عضويتها بين المواطنين على أساس الدين ، وأن يختص القضاء وحده بالفصل فى المنازعات التى قد تثور حول الأحزاب. حرية تكون الأحزاب وحرية نشاطها هى المقدمة الأساسية والضرورية لحياة سياسية منتجة وسليمة وفاعلة.

ثانياً : الشعب هو مصدر كل السلطات وهو الذي من حقه أن يختار رئيسه وكل ممثليه اختياراً سليماً حراً. ومن هنا ضرورة وجود انتخابات دورية حرة وشفافة لاختيار كل مسؤول سياسى. وتأسيساً على مبدأ المواطنة وأن كل مواطن له مثل ما لكل مواطن من حقوق وعليه مثل ما عليه من واجبات فأنني أري أن حق الترشيح لرئاسة الجمهورية وإن جاز أن توضع له بعض الضوابط اليسيرة فإنه لا يجوز أن توضع عليه من الموانع ما يجعله حقاً قاصراً على عدد محدود من الناس ويقصى من ممارسته ملايين الشعب المصرى.
ثالثاً : ضرورة تداول السلطة لأن البقاء الطويل فى السلطة مخاطره كثيرة وليس أقلها شيوعاً الاستبداد والفساد والنفاق والجمود. إن تداول السلطة ركن أساسى من أركان النظام الديموقراطى. ومراجعة الحال فى كل الأنظمة الديموقراطية فى العالم كله تظهر لنا بوضوح أنه لم يوجد رئيس دولة يخلد فى منصبه إلى نهاية الحياة. فرنسا التى لا يقيد فيها الدستور مدة رئيس الجمهورية لا نعرف أن أياً من الرؤساء فيها بقى فى منصبه أكثر من فترتين. حتى ديجول نفسه الذى يسمونه منقذ فرنسا لم يبق فى الرئاسة أكثر من مدتين. وهكذا الحال فى كل البلاد الديموقراطية بعضها يحدد الدستور مدة البقاء فى منصب الرئاسة وبعضها تؤدى آليات الحياة
السياسية إلى ذات النتيجة. وبالنسبة لأحوالنا وظروفنا السياسية فأنني أدعو إلى عودة نص المادة السابعة والسبعين من الدستور إلى أصلها بحيث لا يبقى رئيس الجمهورية فى منصبه لأكثر من فترتين وفى ذلك تمكين من تداول السلطة التى تعتبر بحق ركناً من أركان النظام الديموقراطى.
رابعاً : الدولة الحديثة هى دولة مؤسسات تستند فى وجودها إلى قواعد دستورية وقانونية ويتولى السلطة فيها أشخاص بحكم وظائفهم وفى الحدود ووفقاً للاختصاص الذى يرسمه الدستور والقانون. وهذا هو مفهوم مبدأ المشروعية الذى هو أحد المبادئ الأساسية للدولة الديموقراطية الحديثة حيث لا توجد سلطة ولا منصب فوق القانون وحيث يبطل كل تصرف يتجاوز حدود اختصاص القائمين به.
ومبدأ المشروعية جزء من مبدأ ديموقراطى أساسى هو " سيادة القانون " وقد نص دستور 1971 على أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة وعلى أن الدولة تخضع للقانون. وهذا النص فى دستور 1971 يجب أن يبقى وأن يُحترم وأن يراعى وأن يجرى تفعيله لكى يكون جزءاً من الحياة العامة بكل صورها وأن لا يبقى مجرد نص هامد لا حياة فيه.
خامساً : أري ضرورة التوازن بين السلطات ، ذلك أن الذى حدث طوال نصف القرن الأخير أن السلطة التنفيذية كانت تتغول على سائر السلطات الأخرى وكان البرلمان غير ذى فاعلية حقيقية فى مواجهة السلطة التنفيذية.
ويتصل بهذا الأمر أن يتمتع القضاء بالاستقلال الوظيفى والمالى والإدارى الكامل. وأن يكون القضاء العادى هو الملجأ والملاذ وأن تختفى ظاهرة القضاء الاستثنائى وأن يقتصر اختصاص القضاء العسكرى على العسكريين فى الجرائم العسكرية.
وأن تكون هناك رقابة قضائية لدستورية القوانين تتولاها المحكمة الدستورية العليا وحدها دون غيرها وأن نبعد هذه المحكمة عن كل ما يؤدى إلى النيل من صورتها وهيبتها على نحو ما حدث عند تعديل المادة 76 من الدستور. ذلك التعديل الذى عارضه كل صاحب رأى ومبدأ وكل غيور على مبدأ سيادة القانون وعلى المصالح القومية العليا لهذا البلد بعيداً عن الأغراض الشخصية والأهواء الذاتية.

وأري أن ما جاء فى مقترحات التعديل من المواد 1 ، 4 ، 12 الفقرة الأولى ، 24 ، 30 ، 33 ، 37 ، 56 الفقرة الثانية ، 59 ، 73 ، 180 الفقرة الأولى : تتمثل أسباب طلب تعديل هذه المواد فى تحقيق التلاؤم بين نصوصها والأوضاع الاقتصادية والسياسية المعاصرة ، بحيث لا يفرض الدستور على المجتمع نظاماً اقتصادياً معيناً لا يتأتى العدول عنه إلا بتعديل فى نصوصه ، وتجنباً لما تنص عليه هذه المواد من عبارات قد تفيد فى ظاهرها الانتماء لنظام اقتصادى بذاته يمكن أن يتجاوزه الزمن بما يفرزه من تطورات ومستجدات. وفى هذا السياق
تدعو الحاجة إلى طلب إلغاءه المادة 59 ، وإعادة صياغة المادة ( 1 ) بما يؤكد على مبدأ المواطنة بديلاً عن تحالف قوى الشعب العاملة.
ولما كان الحق فى البيئة الصالحة والالتزام بحمايتها واجباً عاماً ، فقد رأى السيد الرئيس أن يتضمن الدستور نصاً يؤكد على حماية البيئة والحفاظ عليها. ونظراً لأن المادة 59 المقترح إلغاؤها تقع فى الباب الثالث من الدستور المعنى بالحريات والحقوق والواجبات العامة ، رأى سيادته أن يحل النص المقترح محلها.
فهى اقتراحات مقبولة وتحقق تطوراً إيجابياً فى النظام السياسى.
تيمانا مني بمبدأ المواطنة أري أن ماجاء فى المادة رقم 40 من الدستور كافية فى هذا الخصوص.
ومع ذلك فلا مانع من تعديل المادة الأولى من الدستور تعديلاً من شأنه التأكيد على مبدأ المواطنة بديلاً عن تحالف قوى الشعب العامل.
وأري أنه إكمالاً لهذا التوجه وما يقترح من إلغاء نصوص الدستور التى تحدد نظاماً إقتصادياً معيناً هو النظام الاشتراكى والأخذ بنظام الإقتصاد الحر مقتضى ذلك ولازمه هو إلغاء نسبة الخمسين فى المائة للعمال والفلاحين باعتبار أن مقتضيات هذه النسبة قد زالت وباعتبار أن بقاءها يتعارض مع مبدأ المواطنة ومع الأخذ بالحرية الاقتصادية وإلغاء نظام تحالف قوى الشعب العامل وهو الأمر الذى تقترحه التعديلات الدستورية الجديدة.
و وأؤيد ما ذهبت إليه التعديلات المقترحة بخصوص المادة 74 من إيجاد بعض الضوابط اقتداءاً بالمادة 16 من الدستور الفرنسى التى هى أصل المادة 74 من دستورنا.
أما المادة السادسة والسبعين فأني أقف منها موقفاً معارضاً ورافضاً تماماً.
إن إختيار رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب العام المباشر له معنى واحد هو أن يشارك الشعب كله فى إختيار رئيسه وأن يكون من حق كل مواطن أن يرشح نفسه لهذا المنصب الرفيع. ومع ذلك فإن الحزب لا يرى مانعاً من وجود بعض الضوابط – والضوابط غير الموانع وغير الانتخاب على درجتين – وقد يمكن الإهتداء بالنظام الفرنسى فى خصوص هذه الضوابط التى قد تحول دون العابثين والهازلين وهواة الشهرة من التقدم لهذا المنصب الرفيع ولكن هذا شئ وأن تقصر المادة حق الترشيح على عدد من الأشخاص لا يمكن أن يتجاوز فى أفضل الأحوال خمسين شخصاً من مجموع الخمسة والسبعين مليوناً الذين ينتهى النص إلى إقصائهم وحرمانهم من حق طبيعى لكل مواطن.
كذلك فإن النص بوضعه المقترح يفرق بين الحزبيين والمستقلين. ومعروف أن المنضمين إلى كل الأحزاب فى مصر بما فيهم حزب الأغلبية لا يتجاوزون فى أحسن الظروف 5% من مجموع الشعب المصرى ، مما يعنى حرمان 95% من الشعب من هذا الحق الأساسى حق الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية وحصر هذا الحق فى مجموعة محصورة بعينها ومقصودة لذاتها. إن الأنظمة الديموقراطية
والدستورية لا تعرف مثل هذه التفرقة ولا يمكن أن تقر بإقصاء الغالبية الكاسحة من الشعب لصالح عدد محدود من الأفراد لأسباب غير واضحة ولا مفهومة ولا متفقة مع المبادئ الدستورية.
واتوقف عند الاقتراحات المعدلة للمادتين 82 ، 84 ، 85 التى تنظم كيفية الحلول محل رئيس الجمهورية عند وجود مانع مؤقت أو دائم ، وأري أن إعمال نصوص الدستور القائمة وضرورة وجود نائب لرئيس الجمهورية يغنى عن هذه التعديلات. وإعمال نصوص الدستور أمر واجب. ولا مبرر للإنحراف عنها إلى أحكام أخرى.
وبالنسبة للمادة 88 فأني أ{ي الابقاء عليها وأري أن انشغال الهيئة القضائية يومين أو ثلاثة ليس بالثمن الكبير من أجل الوصول إلى انتخابات سليمة.
إن التجارب السابقة تدعو إلى الحذر والريبة والتخوف من محاولة تقليص إشراف القضاء على الانتخابات.
وأؤيد ما جاء فى مقترحات التعديلات عن المادتين 115 ، 118 من الدستوري والخاصتين بحق مجلس الشعب فى أن يعدل من مشروع الموازنة المقدمة من الحكومة.
وأؤيد أيضاً ما جاء فى مقترحات التعديلات الخاصة بالمسؤولية الوزارية وتقرير مسئولية رئيس الوزراء ومن ثم مسؤولية الوزارة كلها ( تعديلات المواد 127 ، 133 ، 136 ).
كذلك أري أنه من الأوفق أن يكون لمجلس الشورى بعض الاختصاصات التشريعية على نحو ما جاء فى التعديلات المقترحة.
وأؤيد تأييداً كاملاً ما جاء عن تطوير وتعزيز نظام الإدارة المحلية.
وينتابني كثيرا من الخوف ازاء مشروع التعديل الخاص بإضافة نص ينظم حماية الدولة من الإرهاب وما يقتضيه ذلك من تعديل للمواد 41 ، 44 ، 45 من الدستور الحالى.
إن مراجعة هذه المواد التى يقترح تعديلها يبين مدى الكارثة التى يمكن أن تنجم عن ذلك. ومن أجل أن تكون الأمور واضحة فإننا سنورد هنا نصوص هذه المواد المقترح تعديلها والتى كنا ومازلنا نعتبرها من مفاخر دستور 1971 وكأننا بتعديلها نريد الإنحدار بعنف نحو الدولة البوليسية التسلطية التى لا ترعى لحرية المواطنين وقاراً.
وهذه النصوص التى يراد تعديلها ومسخها :
المـــادة ( 41 ) :
الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس ، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل
إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة ، وذلك وفقاً لأحكام القانون. ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطى.
المـــادة ( 42 ) :
كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأى قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً ، كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون. وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شئ مما تقدم أو التهديد بشئ منه يهدر ولا يعول عليه.
المـــادة ( 45 ) :
لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الإتصال حرمة ، وسريتها مكفولة ، ولا تجوز مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة ووفقاً لأحكام القانون.
إن هذه المواد درة فى جبين دستور 1971 وإن هذه المواد هى ضمانات أساسية من ضمانات الحرية الفردية التى وضعتها المادة 41 فى صدرها بقولها " الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس " ، هذه الفقرة يفخر بها كفاح الشعب المصرى ويفخر بها دستور 1971 وهى تستحق منا أن نحنى الرءوس أمامها لا أن نمسخها ونعدلها لكى نعلى قبضة وسائل القهر والردع والدولة البوليسية التسلطية وإهدار سيادة القانون.
انني اقف معارضاً لهذه التعديلات وأري فيها ردة للوراء وهدماً لكل ضمانات الحرية الشخصية وإطلاقاً لقوى القهر والعسف والاستبداد.
********************
وأضيف .. أن التعديلات المقترحة سكتت عن ضرورة تعديل المادة السابعة والسبعين وعن ضرورة العودة إلى النص على تحديد فترة رئاسة الجمهورية بمدتين اثنتين فقط تحقيقاً لمبدأ تداول السلطة وعدم تكريسها ولكل المبررات التى سقناها من قبل.
كذلك فقد سكتت التعديلات المقترحة عن التعرض لتعديل آراه جوهرياً وضرورياً لسلامة الحياة السياسية والبرلمانية وذلك ما يتعلق بالمادة 93 من الدستور التى تجعل مجلس الشعب – وكذلك مجلس الشورى – هو المختص بالفصل فى صحة عضوية أعضاءه. على حين أوكلت الفقرة الثانية من المادة إلى محكمة النقض التحقيق فى صحة الطعون المقدمة فى صحة العضوية. وأري أن
الفصل فى صحة العضوية هو أمر قانونى وليس أمراً سياسياً وأن القضاء هو الأحق والأجدر والأكثر تحقيقاً للعدالة عند الفصل فى صحة العضوية.
وقد كان البرلمان والفقه فى فرنسا مصّرين على أن تختص المجالس النيابية بالفصل فى صحة عضوية أعضائها ، لكن التجربة أثبتت أن الأهواء السياسية وليست الإعتبارات القانونية هى التى تتحكم ولذلك فقد استقر الأمر أخيراً على أن يفصل المجلس الدستورى فى صحة عضوية أعضاء كل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
وكذلك الفصل فى الطعون التى قد تقدم فى صحة انتخابات رئيس الجمهورية ، ذلك أن المجلس الدستورى هو الذى يعلن نتيجة انتخابات رئيس الجمهورية بعد أن يتحقق من سلامة كل الإجراءات.
********************
هذا هو موقفي من قضية الإصلاح الدستوري ومن قضية التعديلات الدستورية المطروحة.
وأعتقد أنني أقدم هذا المقترح من منطلق المصلحة القومية العامة ولم أتجه فى نظرتي إلا إلى مصر وشعبها ومستقبلها.