الوفد
كتبت: نادية صبحى ونشوة الشربينى
تعتبر ثورة 15 مايو 1971 المعروفة تاريخياً بهذا الاسم استناداً الى توصيف السادات لها أغرب الثورات في التاريخ، حيث استطاع بضربة واحدة اقصاء خصومه الناصريين وايداعهم السجون والمعتقلات بعد محاولتهم الانقلاب عليه وابرزهم
نائب رئيس الجمهورية علي صبري ووزير الدفاع محمد فوزي ووزير الداخلية شعراوي جمعة ووزير الاعلام محمد فايق ورئيس البرلمان محمد لبيب شقير وسكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات سامي شرف وبلغ عدد الذين تم ايداعهم السجون في تلك الفترة 91 قيادياً بعضهم من كبار رجال الدولة وبلغت مدة احكام السجون 236 عاماً بخلاف أربعة اعدامات خففها السادات فيما بعد الى الاشغال الشاقة، وفي تلك الفترة أغلق السادات المعتقلات وقام بحرق شرائط التجسس على المواطنين، والمثير هنا أن الثورة كشفت أن الناصريين والاسلاميين وجهان لعملة واحدة حيث تم اقصاء الناصريين عن السلطة في 15 مايو 1971 وتم اقصاء الاسلاميين في 30 يونية 2013 .
وأكدت تداعيات الأحداث أن الاقصاء والاحادية روابط مشتركة بين الناصريين والاسلاميين رغم أن الفكر السياسي الشمولي يرفض احياء الخلافة الاسلامية.
الإخوان سقطوا والعروبة باقية
الإقصاء والأحادية روابط مشتركة بين الفكر السياسي الشمولي والخلافة الإسلامية
الدستور الجديد يمنع الأحزاب الدينية والاشتراكية انتهت
بين الناصريين والإسلاميين تناقض شديد يصل إلي حد العداء، والصراع بينهما شبه أيديولوجي، فهما كفتان لا تتعادلان، الأول يؤمن بالفكر اليساري الشمولي، والثاني يتبني الفكر الديني وإعادة الخلافة الإسلامية، وكل منهما يعتبر الآخر خطرا على مشروعه، ويجمعهما الحلم السياسي والمصارعة علي منصب رئاسة الدولة، وربما فكرة الأحادية وإقصاء الآخر وراء فشلهما، وليس في هذا ضرر إن كان هناك قانون حاكم وحكومة جيدة وانتخابات حرة، ولكن المشهد السياسي يحتمل وجودهم مثل باقي التيارات الأخري، خاصة أن مصر مقبلة علي تغييرات متسارعة ومهمة وقضايا كثيرة يأمل المصريون في تحقيقها.
«الوفد» سألت عدداً من السياسيين والأساتذة الأكاديميين والكتاب والمهتمين بالشئون الإسلامية للتعرف علي المزيد من الأسرار والخبايا حول الناصرية والإسلامية.
< الدكتور عمار علي حسن، الباحث في الشئون الإسلامية والمحلل السياسي، يري أن الإخوان ظلوا وأشباههم ينتظرون تضعضع سطوة القوميين العرب، حتى جاءتهم الفرصة بعد هزيمة 1967 التى سبقها فشل بعض مشروعات الوحدة مثل انفصال سوريا عن مصر عام 1961 وفشل الوحدة المصرية مع العراق وسوريا عام 1963، وكان الإخوان فى سوريا مشجعين لهذا الانفصال بسبب معارضتهم لـ «عبدالناصر» على غرار إخوان مصر.
تقارب الإسلام القومي
وأضاف: في أواخر عام 1994 حدث اجتماع فى بيروت ضم ممثلين عن الإسلاميين والقوميين فى مؤتمر مشترك يعطى إشارة واضحة على التقارب الإسلامى القومى، خاصة أن هذا المؤتمر كان استكمالاً لندوة القاهرة التى عقدها الفريقان فى عام 1988 مما دل وقتها على تطور هذا الاتجاه وتناميه، لا سيما أن هذا المؤتمر انعقد بانتظام فى السنوات اللاحقة، ولكن الفكرة تراجعت مع وصول الإخوان إلى الحكم فى مصر والنهضة فى تونس، حيث عاد الحديث عن خلافة من غانا إلى فرغانة دون النظر إلى إمكانية تحقيق هذا، وقفزاً على الشروط الأفضل المتوافرة لقيام تنسيق عربى أشد، بشرط أن تخلص السلطات الجديدة لأوطانها أولاً، ثم للعالم العربى الأكثر تجانساً من العالم الإسلامى لأسباب عديدة ثانياً، ومؤخراً إزاحة الجماعة الإرهابية عن حكم البلاد، إما فكرة «العروبة» فهي متروكة لمن يرغب في أن ينتهج طريق «عبدالناصر» فى الانحياز للبسطاء وبناء صناعة قوية والحرص على استقلال القرار الوطنى، وهو ما سيكشف قدرة المرشح القادم علي النهوض بالدولة من كبوتها.
وجه الإخوان الدموي
الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يقول: الإخوان كانت لديهم أجندة سياسية وحاولوا ان يكونوا جزءاً من المعادلة السياسية، حتي ولو كانوا يعلمون جيداً أن وصولهم للسلطة أمر بعيد المنال, ولكن بعد حكم البلاد كشف وجههم الدموي الحقيقي، فهم عادة ما يقومون بالضغط علي الدولة أو الحكم في البلاد باستخدام أساليب متنوعة, أما السلفيون فهم أقل ثقة في أنفسهم وليست لديهم خبرة سابقة أو كوادر سياسية أو آليات تمكنهم من المشاركة في الحياة السياسية وكان تركيزهم ينصب فقط علي الجانب الدعوي والنشاط الخيري، وعدم الصدام مع الحكومات المتتالية.
واستطرد: كانت هناك مواجهة إخوانية كبرى مع النظام الناصرى فى بداية الخمسينيات أدت إلى انحصار الجماعة الإرهابية على مستوى العمل العام وأيضا على المستوى الفكرى، حيث بدأ الصعود المؤثر لسيد قطب وبرز تنظيم 1965 الذى مثل تدشينا فعليا للتيار القطبى، وما نتج عنه من تعاظم التشدد فى النظرة إلى تطورات المجتمع وثقافته داخل صفوف الإخوان.
مشيراً إلي أن المكونات الفكرية كانت تتبع السلفية فى حركة تيار الإسلام السياسي، حتي أصبحت عقيدة وممارسات دينية وحالة اجتماعية نقلها الإخوان الذين فروا من الاعتقالات الناصرية إلى دول الخليج، وعليه عرفت ظاهرة التسلف فى الإخوان نتيجة هذه الهجرة الكثيفة لتأخذ شكلين الأول خلال الخمسينيات والستينيات وشملت قيادات الإخوان الذين نجوا من الاعتقال، أما الثاني فقد كانت فى السبعينيات، وقد تمت عبر مستويين أيضا، الأول عبر التسلف الذى حمله الكادر الإخوانى ممن عادوا من السعودية آنذاك، وحملوا معهم المظهر والملبس والسلوك، بينما كان المستوى الثانى هو الأهم والأكثر تأثيراً، لأنه حدث داخل مصر وعبر شباب الجامعات المصرية، وفى هذا الإطار أسهمت سياسة الباب المفتوح فى عهد «السادات» بدءاً من السبعينيات فى حالة من الانفتاح، وهكذا توفرت بنية من الفرص تسمح بولادة جديدة للحركة الإسلامية لكن بروح سلفية واضحة.
كمال زاخر، المفكر والباحث، يري أن معظم الإسلاميين أعلنوا تأييدهم للمرشح «السيسي» في الترشح لرئاسة مصر، بعد إسقاط نظام الحكم الإخواني وقيام نظام جديد، حيث لم يعد هناك مكان لعصر الأيديولوجيات الدينية أو السياسية، بعد تجاوز الصعاب، فالمرحلة الراهنة هي ما بعد الأيديولوجيات، ومعالمها الديمقراطية والانفتاح، وأصبح صعباً الآن إقصاء أحد عن المشهد السياسي، بعد أن قال الشعب كلمته عالية، وان كان يحتمل وجود كافة الأطياف السياسية داخل المشهد السياسي، فقد اعادت ثورتا يناير ويونيو فكرة التنوع والتعدد مرة أخري.
وأضاف: المشكلة دائما مع أصحاب الأيديولوجيات وخاصة الفاشية، مثل تيار الاسلام السياسي الذي يعد أحد النظم الفاشية لاعتماده علي فكرة إقصاء الآخر.
وأيضاً الناصريون يؤمنون بذلك، مع اختلاف المنطلق، فالمتأسلمون ينطلقون من فكر ديني، يرون أنهم الحق وغيرهم الباطل، والفكر الناصري يساري شمولي، وكلاهما لديه مشروع لا يقبل أن يتناغم أو يتفاعل مع غيره، رغم أن الحلم السياسي موحد، مع هذا لا يريدون بجوارهم أحداً، بل تجمعهم فكرة الإقصاء والأحادية وهي كانت سبب الفشل.
وأكد أنه لن يكتب لأي تيار سياسي البقاء طالما يتبني فكرة الاقصاء . مستشهداً بالتجارب الديمقراطية الاجتماعية التي تنتهج في معظم دول العالم المتقدم وتقوم علي توفير ثلاثة اركان أساسية أولاً: السعي لتوفير الأمن الاجتماعي، وتوزيع عادل لفرص العيش، وثانياً: المشاركة المجتمعية تدعيماً لمبادئ المواطنة والديمقراطية، وثالثاً: آلية الحماية لمتبني هذا التوجه ضد الفشل، وهو ما نأمل في وجوده مستقبلاً، خاصة أن مصر علي أعتاب نهضة لمواكبة عصر يعتمد علي الديمقراطية وثورة علمية ثم اتصالات فاقت الحد الطبيعي، ومن لا يواكب هذه النهضة يتخلف عن الصراع الحضاري.
فريدة النقاش، الكاتب الصحفية ورئيس تحرير جريدة الأهالي، تري أن هناك نقاط تشابه كثيرة بين القوميين وتيار الإسلام السياسي منذ بدء عملهم في السياسة عام 1971 حتي 2013، فالناصريون اقتربوا من الإسلاميين عن طريق المرشح حمدين صباحي وحزبه الكرامة الذي خاض انتخابات البرلمان 2011 علي قائمة الإخوان الإرهابية.
وأضافت: هذا التطابق بين القومية والدينية يعود إلي فكر «ميشيل عفلق» مؤسس ورئيس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أطلق فكرة القومية والوحدة العربية، وشعاره وقتها أمة واحدة ذات رسالة خالدة وهي الدين الإسلامي، رغم أنه رجل قبطي، وعلي الرغم من التحالفات التي تمت بينهم، إلا أنها لم تكن حائلاً دون الصدامات العنيفة التي حدثت بين النظام الناصري والاخوان الذين حاولوا اغتياله، ولا يمكن ان ننسي اطلاق «السادات» الاخوان من السجون لكي تواجه تيار اليسار، فالأول كان يتشكل من الشيوعيين والناصريين، ثم زج بأعوان «عبدالناصر» في السجون بغرض منح الاسلاميين فرصة واسعة للعمل السياسي وقام بتعديل المادة الثانية من الدستور عام 1980، حتي يمكن ان يتحالف مع الجماعات الدينية، وتم التحريض علي قتل «السادات» بأيدي التيار اليميني الديني المتطرف، وهؤلاء ليسوا لهم حلفاء أو أعداء دائمون، ولكن ما فعله «السيسي» في 30 يونيو الماضي يكفي وتعالت شعبيته، وعلي كل الأحوال فإنه من مصلحة مصر وشعبها أن يظل يقدم لنا المرشح السيسي رؤيته لنهضة مصر وتقدمها، وأيضاً علي حمدين أن يقدمها وتظل المناظرات بينهما لنعي جميعاً ما لدي كليهما وما سوف يقدمه لنا كل منهما.
لافتة إلي أن تيارات اليسار واليمين تجمعهم فكرة اساسية فهم يتصورون أنهم وحدهم علي صواب ويملكون الحقيقة المطلقة والكاملة.
أحمد عودة، مساعد رئيس حزب الوفد وعضو الهيئة العليا، يقول: إن من يسمون أنفسهم الناصريين نسبة إلي رئيس مصر الأسبق جمال عبد الناصر هم يدعون بأنهم يؤمنون بالفكر الاشتراكي، ولكن بعد زوال الشيوعية من روسيا وضياع سمعة الاشتراكيين والاشتراكية، وإذا كانت ثورة التصحيح كما أسماها الرئيس الراحل أنور السادات في 15 مايو 1971، أطاحت بقيادات كثيرة منهم بسبب تآمرهم علي خلع «السادات» وحكم مصر، علي اعتبار أنهم ورثة الناصرية وقد كسرت شوكتهم وتفرقوا، وعلي الرغم من وجود حزب يسمي الحزب الناصري إلا أنهم مشتتون وأقلية، وبعد ان تم اقصاؤهم خلدوا إلي الهدوء والسكينة وممارسة نشاطاتهم كحزب صغير في هدوء تام. أما الفصيل الآخر المسمي بالإخوان الإرهابيين فلا هم بإخوان ولا بمسلمين، والإسلام برىء منهم ومن أعمالهم تماماً، فبعد كسر شوكتهم واقتلاع نظام الحكم الفاشل في 30 يونيو 2013، لجأوا إلي العنف والإرهاب والقتل والنسف والتدمير، وهذا أسلوب محترفي الإجرام، ولا يمكن أن ينتمي أصحاب تلك العصابات الإجرامية إلى المسلمين علي الإطلاق بعد حملهم السلاح والقتل ليلاً ونهاراً وتخريب مرافق الدولة، ومن ثم فإنه يتعين محاكمتهم علي وجه السرعة وإنزال حكم القانون عليهم، فالقاعدة الأزلية تقول: «من قتل يقتل»، وأي إنسان ارتكب جريمة قتل فجزاؤه القتل، ونتطلع إلي صدور أحكام قضائية قريباً لنطبق حكم القانون علي تلك العصابات الإرهابية والإجرامية، وبالتالي لا داعي للحديث عن حزب الحرية والعدالة الذي كان قد أسس في محاولة فاشلة لخلط الدين بالسياسة وقد صدر الحكم بحله، ولا أعتقد أنه بعد وجود نص في الدستور المصري بعدم السماح بقيام أحزاب علي أساس ديني سوف تختفي القيادات المشبوهة مرة أخري من الساحة السياسية.
خبراء وسياسيون : لا شىء يبقى من ثورة التصحيح؟
السادات أغلق المعتقلات لتصحيح مسار ثورة يوليو.. وانتهي إلي دولة الفساد والإرهاب والديمقراطية الشكلية
ماذا بقي من ثورة 15 مايو 1971؟ كثير من المصريين يقفون كثيراً عند ذكرى ثورة التصحيح.. في محاولة فهم معني الكلمة.. وربما لا يعلم كثيرون ان 15 مايو لا تعني فقط في ذاكرة المصريين مجرد كوبري يربط بين محافظتي القاهرة والجيزة، فقد قال الرئيس الراحل محمد أنور السادات ان 15 مايو تصحيح لثورة 23 يوليو.
وإنها إعادة للوجه الجميل للثورة.. وتفعيلاً للمبدأ السادس لثورة 1952 وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة.. والتي رأي السادات ان يوليو فشلت في تحقيقها فقام الرئيس الراحل بتصفية ما اسماه «مراكز القوي» وقال إنها المرة الأولي التي تغلق فيها المعتقلات.. وبعد مرور 43 عاماً علي إعلان السادات قيام دولة المؤسسات وإرساء حياة ديمقراطية حقيقية.
هل ما حدث في 15 مايو 1971 ثورة حقيقية؟ أم تصفية حسابات؟ وماذا تبقي من ثورة التصحيح؟
في الذكري العاشرة لثورة التصحيح ألقي الرئيس الراحل أنور السادات خطابا في جامعة الإسكندرية أكد فيه ان ثورة 15 مايو ليست ثورة علي ثورة 23 يوليو وإنما كان لابد ان تصحح 23 يوليو مسارها بعد ان استطاعت مراكز القوي ان تتسلل وتحاول العبث بالوجه الجميل لثورة يوليو كما انه كان هناك مبدأ من مبادئ 52 وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة ولم يتم تطبيق هذا المبدأ قبل مايو 1971، ثم كانت تصرفات مراكز القوي فكان لابد ان تصحح يوليو مسارها، وقال السادات ان 15 مايو قامت لان المرحلة التاريخية وقتها قضت بها ولا يعيب ثورة يوليو الاعتراف بأنها أخطأت وان مراكز القوي حاولت إحداث انهيار دستوري بالبلاد باستقالة أكبر وزيرين بها.
إغلاق المعتقلات
وذكر الراحل أنور السادات أنه لأول مرة يتم غلق المعتقلات وإصلاح مؤسسات الدولة وإطلاق حرية إنشاء الأحزاب إلا انه عاب علي بعضها الفهم الخاطئ للديمقراطية الممنوحة.
الآن اكملت ثورة 15 مايو عامها الثالث والأربعين تقف مصر في مرتبة متقدمة من الفساد المؤسسي كما أنها دخلت من حرب مع الإرهاب بعد إقصاء جماعة اللعب السياسي بالدين وربما نتساءل عن مبادئ وأهداف ثورة التصحيح وآثارها في المجتمع المصري.
بداية يقول د. حسام الخولي سكرتير عام الوفد: لا أستطيع ان اسمي 15 مايو ثورة فالثورة هي التي يقوم بها الشعب فقط والتي يبدأ بها الشعب وليس حتي ان الشعب يتحيز لها، لقد كان 1971 بداية عصر عالمي مختلف للقوي العالمية وكانت للسادات رؤية مستقبلية لا يضاهيه فيها أحد.
وكان معاه أشخاص يشدوه للخلف بحثاً عن مصالحهم فكان لابد من هذا الصدام ليدخل كرئيس بالبلد في المستقبل، لقد استخدمت بعض الكلمات لدغدغة مشاعر الشعب وخاصة الطبقات البسيطة وخلق نوع من التعاطف والمساندة فنحن نسمع العدالة الاجتماعية من كل حاكم لكن السؤال: كيف يتم تنفيذها؟ المسألة ليست مجرد استغلال مشاعر الشعب لتحقيق أغراض معينة مثلاً: تم استخدام كلمة الانفتاح والانفتاح صحيح لكن التطبيق كان خاطئاً في عهد مبارك وصل معدل النمو إلي 7٪ وهو معدل نمو قوي جداً ويقارن بالدول الكبري لكن الفساد جعل توزيعه خاطئاً، وجعل الـ 7٪ تتركز في يد قلة دون باقي الشعب؟ ويضيف الخولي: أحياناً تكون السياسة صحيحة وتطبيقها خاطئ، وهذا الخطأ جعل هناك سرعة في التطبيق وخطأ في التنمية وكان ذلك نتيجة عدم وجود خبرات بسبب الانغلاق.
ويذكر الخولي ان الفساد باق بنسبة كبيرة لكنه غير ظاهر علي السطح، وأي مسئول كبير الآن يصعب عليه السير في منظومة فساد بشكل مرئي لان كثرة القوانين وفلسفتها جعلتها مطاطة وبالتالي يستفيد منها أي موظف صغير ومسئول كبير بالاضافة الى منع الرقابة من ممارسة دورها بشكل كبير ولفترة سنوات طويلة حيث كانت تنتقي قضايا فساد وتترك أخرى.
بالاضافة الى المنظومة غير العادلة في التوزيع، وهذا يشجع على استمرار الفساد، فالحوافز مثلاً توزع على من يعمل ومن لا يعمل ولا يضم نظام العمل مكافأة الكفاءات والمخلصين فالحكومة تعتمد سياسة المساواة مما يظلم من يعمل حتى الحد الأدنى للأجور سيطبق على الجميع دون مراعاة من يعمل ومن لا يعمل.
التحرر والتنمية
الدكتورة كريمة الحفناوي، الناشطة السياسية، تشرح أبعاد ما حدث حين قامت مجموعة من الضباط الأحرار بحركة يوليو أعلنت بعد أقل من شهرين أن قيامها لصالح الشعب المصري وانحازت لتيار التحرر الوطني لقد كانت ثورة من أجل الفقراء وكانت مؤمنة بأن مصر تملك ثرواتها المادية والبشرية لتصبح قوة كبيرة وبدأت تلوح في الأفق مقدمة الاستقلال الوطني واقتصاد قومي هنا بدأ مخطط الدول الكبرى لهدم هذه التنمية وهذا التوجه في منطقة الوطن العربي التي تحظى بأهمية خاصة.
تضيف: لذا جاءت ضربة 67 ثم استعادة الأرض سنة 1973، والسادات حين جاء قال إنه سيسير على نفس مبادئ التحرر والتنمية، وبالنسبة لثورة 15 مايو 1971 فقد قال السادات انها ثورة تصحيح وللأسف ما جاءت به كان العكس إذ قال إنه يصحح ثورة 23 يوليو خصوصاً في المجال الديمقراطي وأعلن السادات أنه سينفتح ديمقراطياً وأنشأ ثلاثة منابر وسمح بالاحزاب ولكن القوانين المقيدة جعلتها اجراءات شكلية وديمقراطية ديكور فهذا التصحيح كان شكلياً.
في نفس الوقت انتهج السادات سياسات اقتصادية عكس ما بناه عبد الناصر، وعلى سبيل المثال بدأ ما سمي بالانفتاح الاقتصادي والخضوع لكل شروط القوى الكبرى وصندوق النقد الدولي والمعونة الأمريكية، ولما جاء مبارك واستبدل الاقتصاد القوي بالخضوع للدول الكبرى وكان الانفتاح وبالاً على مصر والخراب الذي أدى لثورة 25 يناير ولم يصبح لدينا انتاج يقوم علي التصدير وتم القضاء على الانتاج الزراعي مما أدى الى تخريب الزراعة.
وتضيف الحفناوي: تخيل السادات أنه قادر على مواجهة التيار اليساري والحركة الطلابية في 1972 حين بدأ اليسار يتكلم عن الديمقراطية وغلاء المعيشة فتوهم السادات أنه إذا أطلق القيادات الدينية المتشددة يستطيع مواجهتها وفي النهاية اغتيل على يد تلك القيادات المتشددة أي أن السادات فعل عكس ما فعله عبد الناصر والسياسات التي اتخذها ادت بنا الى التبعية وعدم استقلال الارادة الوطنية والديمقراطية المقيدة.
وبعد حرب 1973 عقد معاهدة صلح مع اسرائيل لكي يصبح رجل الحرب والسلام وأخرجت اتفاقية السلام مصر من المحيط العربي واعتقد أن هذا كان هدف الاتفاقية حتى تضعف مصر بعدم ريادتها للمنطقة العربية.
كتّاب ومثقفون: ثورتا يناير ويونيه صححتا مسار يوليو
أحزاب الناصري والكرامة والوفاق غرف مظلمة.. والسادات بطل الحرب والسلام
المصريون يحلمون بـ «ناصري جديد» ينتهج طريق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في الانحياز للبسطاء والكادحين الذين يمثلون الغالبية العظمي من شعب مصر ويحقق مطالب ثورتي يناير ويونية في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، وبناء دولة مدنية حديثة وقوية، والحرص علي استقلال القرار الوطني، وأيضاً مواجهة الإرهاب، والدفع بمصر لتتبوأ المكانة الدولية التي تليق بها، تلك هى الأهداف الكبرى التي ستكشف قدرة البرنامج الرئاسي الواضح والداعم لفكرة المشروع الوطني الناجح للنهوض بالوطن.
ومن ثم يرى كثيرون «السيسي» هو رجل المرحلة المقبلة الذي يعد أكثر تقارباً من حيث الاتجاه الفكري لشخصية الزعيم جمال عبدالناصر باعتباره وقف أمام العالم في 30 يونية وتحدي العدو اللدود لمصر وهو الولايات المتحدة الامريكية في موقف وجدوا فيه استقلالاً للقرار المصري في محاولة لإعادة إحياء التجربة الناصرية، اما المرشح «صباحي» فهو الرجل المنتمي للتيار والتجربة الناصرية حامل لواء الفكر الناصري معبراً عن الاشتراكية، الأمر الذي أدي إلي انقسام شعبي وسياسي وصل صداه للتيار الناصري نفسه، ومن ثم يلزم أن يكون المرشح الرئاسي رجل دولة صادقاً ومتزناً وعاقلاً وصارماً حينما يستدعي الموقف ذلك وهى عقيدة راسخة ترتبط بالانتماء إلي مصر.. فهل تعود معاني وأفكار الناصرية للساحة السياسية مرة أخري مع مرشحي الرئاسة؟!
نور الهدي زكي، القيادية بالحزب العربي الناصري، تري أن مصطلح ثورة التصحيح خادع وكاذب ولا يعبر عن وجود أي ثورة، لأن مفهوم الثورة يعني تغيير المجتمع وعلاقاته الحاكمة والطبقة التي تقود المجتمع، وثورتا يناير ويونية قامتا لتصحيح كل الأحداث والأوضاع التي كان في السابق.
أضافت: الرئيس الراحل «عبدالناصر» تخلص من علاقات الإنتاج الظالمة والفاسدة التي كانت تقودها الرأسمالية المصرية والتي أوصلت المصريين إلي حالة من العوز الشديد، بينما ما فعله الرئيس «السادات» كان عودة بمصر إلي سطوة الولايات المتحدة الامريكية في صنع القرار السياسي المصري، والرأسمالية المتوحشة، وأنا مع وجودها لكني ضد توحشها، وتوالت التواريخ المصرية لتساعد في تراكم الأوضاع بدءاً باغتيال السادات، ثم خلع «مبارك»، وعزل «مرسي»، بعد قيام ثورة يناير ثم يونية التي تخلصت من أنظمة حاكمة مستبدة وطامعة في السلطة ومقدرات الأمة، فيما يزيد على 40 عاماً.
واستطردت: لم يكن الناصريون يوماً في مرحلة قوة، فهم طوال فترة الرئيس المخلوع حسني مبارك، لم يستطيعوا ان يكونوا حزباً قوياً أو يصنعوا كوادر سياسية أو اقتصادية مناسبة، فلم يكن هناك وجود فعلي للناصريين بشكل منظم في ثورتي يناير ويونية أو داخل المشهد السياسي بوجه عام، فالحزب الناصري وحزب الكرامة وأيضاً حزب الوفاق ما هى إلا عبارة عن غرف مظلمة، إما فكرة الناصرية كهوي وانتماء المصريين لشخصية جمال عبدالناصر ومشروعه الوطني في مصر فهذا أمر إيجابي للغاية ويستدعي لحظات العزة والكرامة، خاصة أننا لم نكن نجد ما يماثله إلا ما قام به «محمد علي» الذي قام ببناء الدولة المصرية الحديثة، وترى أن البرنامجين متقاربان لكلا المرشحين لرئاسة مصر فهما يحملان روح القوة في فكرة المشروع الوطني التي تحقق مصالح مصر، والصفات الوطنية المصرية، القادرة علي نقل البلاد إلي الأفضل، ولكن الناصرية هي بنت عصرها وظروفها وواقعها مع وجود شخصية الزعيم «عبدالناصر» ذاته.
وأوضحت أن المرشح «السيسي» هو الشخص المعقودة عليه الآمال في الفترة المقبلة، وهو يستحق ذلك بكل تأكيد، ويمكنه إعادة بناء الدولة المدنية بمساعدة الكيانات أو المؤسسات الأخري، لما لديه من تجربة واقعية مع النظام السابق وخبرة في إدارة دولة بحجم مصر، كما أنه يمتلك امكانيات الصدق في الكلمة ووضع المواطن في الصورة تجاه ما تعانيه الدولة، وعدم إسرافه في الوعود والاعلان علي المستقبل بشراكة المواطنين، وهذا البرنامج يبعث الأمل والروح الجديدة في إمكانية بناء دولة مصرية حديثة وسوف يذكر له التاريخ هذا.
الفكر الناصري
من جانبه، شدد الدكتور أيمن عبدالوهاب، مدير برنامج المجتمع المدني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية على أن المرشح «حمدين صباحي» لا يمكنه ان يحتكر الفكر الناصري لنفسه، فالواقع أنه لا يمثله بشكل كبير وهذا واضح فالحزب الناصري وأيضاً العديد من الرموز الناصرية غير مؤيدين لترشحه لمنصب رئيس الدولة، بل وجدوا فى المرشح «السيسى» رمزا للثورة الشعبية التى حدثت فى 30 يونية.
وأضاف: المرشح عبدالفتاح السيسي هو الخيار الوطني الآن، باعتباره ابن التجربة الوطنية ويتوافق كثيراً مع الواقع، وخاصة فيما يتعلق بدور الدولة وشكل الاقتصاد المصري ومحاور التنمية والعدالة الاجتماعية، وإن كنت أري أن عودة الناصريين أو التيار اليساري بشكل عام يواجه مشكلة حقيقية، مثل باقي التيارات الأخري سواء اللبيرالية أو السلفية، ولكن الثقل والتوازن الحقيقي لأي مرشح ستحسمه الانتخابات الرئاسية.
وتابع عبدالوهاب: نعتقد أن الخريطة السياسية للانتخابات البرلمانية ستكون عاكسة بوضوح لأوزان القوي لهذه التيارات أو الايديولوجيات ومدي توافقها مع الشارع المصري وثقة المصريين في الاشخاص الذين يرغبون في تمثيلهم داخل البرلمان، بعيداً عن الخطاب السياسي.
مرشح الثورة
فيما أكد الدكتور علي ليلة، استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أنه من حق كل مواطن، حرية اختيار من يمثله، ومصر اعتبرت «السيسي» مرشح الثورة وإعلانه برنامجاً رئاسياً واضحاً، يحقق مدنية الدولة ويحترم الدستور والقانون. مشدداً على أن مستقبل مصر أهم من الانتماء الفكرى، وأن البلاد أمام إرهاب حقيقى لا يستطيع مواجهته سوى رئيس قوى مثل «السيسى»، فإذا كان المرشح حمدين صباحي يحمل روح الناصرية، فالمرشح عبدالفتاح السيسي يحملها عملاً وفعلاً، وشعبيته وليدة موقف تاريخي وما ينبغي أن يحرص عليه أن تكون لديه رؤية للتغيير، وهو ما فعله الرئيس الراحل «عبدالناصر»، بعدما تصدي للديكتاتورية بإرادة شعبية وقلص التدخل الخارجي وتعهد في برنامجه الواقعي بإصلاحات حقيقية للوطن وشعبه بأكمله، وليس بوعود إعطاء الأموال والأفدنة مثلما يردد غيره علناً.
وتوقع «ليلة» عودة الناصرية من جديد ولكن بصورة عصرية تحمل معاني الشموخ وقوة الانتماء المصري أمام عالمنا العربي، حتي تظل مصر دولة كبيرة في المنطقة، مما يدفع مجتمعنا إلي الأمام ويحدث التوازن الدولي بين مصر والدول الخارجية.
وفي الوقت ذاته، أشاد أنور محمد عصمت السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، بالرؤية الوطنية للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي، معتبراً أن «السيسي» أظهر ما يجب أن يكون عليه رجل الدولة من هدوء واتزان وتعقل، وأيضاً شدة وصرامة حينما يستدعي الموقف ذلك.
وحول أهم سمات السيسي، قال: «يتسم حديثه بالمصداقية حتي في قضايا تحتاج للمراوغة التي يلجأ إليها ساسة آخرون غيره ليكسبوا عاطفة بعض الفئات الاجتماعية وبدا ذلك مثلاً حين تحدث عن التظاهر، كما اتضح أيضاً أنه مدرك لمفهوم الدين واحترام العقائد الأخري وكانت إجاباته قاطعة بشأن عدم وجود حياة سياسية للإخوان في ظل حكمه، كذلك مطالبته للإعلامي إبراهيم عيسي بعدم ترديد كلمة العسكر مرة أخري أثناء حواره معه، كما أعرب عن غضبه من عدم إعطاء «السيسي» للرئيس الراحل «السادات» حقه واكتفاءه بذكر الرئيس الراحل «عبدالناصر»، رغم أن السادات هو بطل الحرب والسلام وهو من أعاد للجيش وللمصريين كرامتهم في حرب 1973م، مشيراً إلي أن السيسي ألقي الضوء في حواراته التليفزيونية علي نقاط هامة للغاية تعطي كثيراً من الثقة في أنه يمتلك برنامجاً انتخابيا متميزاً ومنها التوزيع الجغرافي لمصر ومحور قناة السويس وتعمير سيناء والعمل علي ملفات تتطلبها اللحظة الراهنة بالتوازي مع ملفات المدي البعيد.
من جانبه يقول وحيد فخري الأقصري، رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي: اننا لا نستطيع أن نجزم بأن المرشح عبدالفتاح السيسي محسوب علي التيار الناصري، لأنه من المعلوم وفقاً للقانون أن ضابط القوات المسلحة طوال فترة خدمته لا ينتمي لأي تيار سياسي، فهذا الرجل له رؤية مواطن مصري قد تتطابق أفكاره مع تيار ما وتختلف مع تيار آخر، اما بخصوص المرشح حمدين صباحي فإنه يعتنق الفكر الناصري منذ عمله بالسياسة، وهو أمر لا يخفي علي أحد وليس معني ترشحه عودة الناصريين إلي الحكم، لكونه لا يمثل جميع الناصريين في مصر، والدليل علي ذلك أن الحزب الناصري يدعم المرشح «السيسي»، ويختلف معه حزب الكرامة في دعمه للمرشح حمدين صباحي.
وأكد الأقصري أن توق الشعب المصري إلى فكر الناصريين في المرحلة القادمة جاء بعد معاناة طويلة من سياسة التحول نحو السوق الكبير الذي أفقر الملايين، مع العلم أن المرشح «صباحي» كان له موقف في الانتخابات الماضية، حينما احتل المركز الثالث في الانتخابات ليس حباً لشخصه، وإنما حباً للرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي كان يمثل لهذا الشعب العزة والكرامة والانحياز للفقراء والعدالة الاجتماعية الحقيقية، ولا نستطيع أن نعدد مآثره فهي معروفة لدي الجميع، وإذا ما وجد الشعب ان هناك شبهاً لهذا الزعيم فإنه لن يتردد في دعمه ومساندته، وفي رأيي أن المرشح عبدالفتاح السيسي، يماثل موقف «عبدالناصر» في ثورة 23 يوليو، حينما أنهى الاحتلال الأجنبي لمصر، وأيضاً الفريق «السيسي» أنهى الاحتلال الإخواني لمصر بإرادة شعبية حرة.
وأضاف: أن هناك تناقضاً كبيراً بين ما يعتنقه المرشح «صباحي» من فكر ناصري وما يقوله في لقاءاته عبر وسائل الإعلام عندما دعا الجيش إلى عدم التدخل في السياسة وأن يكون في ثكناته راعياً لإرادة الشعب.. تابع الأقصرى: أليست القوات المسلحة هي صاحبة ثورة 23 يوليو؟ ألم تبارك وتعتنق مبادئ تلك الثورة وتتغني وتتحدث ليلاً ونهاراً بها وتساند الضباط الأحرار الذين قاموا بها؟ وشدد على أن القوات المسلحة لن تتدخل في السياسة ولكنها حمى إرادة الشعب في ثورة 30 يونية 2011، مشيراً إلي أن المرشح «السيسي» أصبح رجلاً مدنياً بعد تقديمه للاستقالة من القوات المسلحة وبالتالي فهو لم يعد يمثل القوات المسلحة الآن.
كما أنه ينحاز كما انحاز «عبدناصر» إلي طبقة الفقراء والمساكين، ويعلي كرامة المواطن المصري، ويعمل علي تحقيق توازن دولي لمصر، حتي لا تظل تابعة للولايات المتحدة الامريكية كما كانت، وهذه خطوات إصلاح إيجابية تضاف إلي مجال تحديد مطالب الشعب في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، كما أنه لم يعتمد علي شعارات الخطباء الجوفاء للوصول للجماهير العريضة.
خسائر ومكاسب التصدي لمراكز القوى :
مؤامرة الناصريين للإطاحة بالسادات.. غباء سياسي
بعد وفاة «جمال عبد الناصر» لم يجد «محمد أنور السادات» بدا من ازاحة الناصريين من السلطة حتى يستطيع ممارسة مهامه كرئيس جمهورية، كان يسعى السادات الي تمهيد مصر الى حرب أكتوبر، وكان الثأر من العدو الاسرائيلي أهم الأهداف، وادرك السادات وقتها أن استقطاب وجدان الشعب المصري هو الطريق الوحيد والأمثل لقهر العدو هما بلغت قوته فالشعب المصري عندما يثق في الرئيس يعطيه القوة التي تخلق منها زعيماً، ولم يكن هناك بد امام السادات لينطبق عليه معنى الزعامة، والوصول الى قلب المصريين، والتمكن من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب بالشكل الذي يخدم مصر ويشفي جروح المصريين.
لقد اكتشف السادات مؤامرة الاطاحة به من قبل بعض الوزراء ذوي المناصب الرفيعة في ذلك الحين، وبسرعة مباغتة وبدون تردد اتخذ قراره بابعادهم عن السلطة ووقف صلاحياتهم تماما، وكان من أبرز هذه الشخصيات على صبري رئيس الاتحاد الاشتراكي، ومحمد فوزي وزير الدفاع، ووزير الاعلام محمد فائق ورئيس البرلمان محمد لبيب الأشقر، وسكرتير رئيس الجمهورية سامي شرف وشعراوي جمعة وزير الداخلية وبعد نجاح السادات في اقصاء خصومه الكبار أخذ الناصريون في تشويه ثورة مايو واطلقوا عليها حركة انحراف السادات عن طريق عبد الناصر.
إلا أن الاديب والكاتب احسان عبد القدوس قال عنهم: «هما ادولو فرصة في لمهم جميعاً في سلة واحدة وبيتصرف بمنتهي الهدوء ودي لعبته ازاي بيعملها أنا معرفش لكن طبعاً ده راجل محترف يعني.. وفي أحداث مايو هما ربطوا نفسهم بحبل وهو شدهم» فبذلك يصف عبد القدوس تصرفات الناصريين بالغباء السياسي الذي عجل من آخرتهم على يد السادات.
كما كان لرئيس الوزراء عزيز صدقي موقف واضح من هذه الثورة يتضح في قوله «أنا عرضت نفسي للخطر في وقت كان كل شىء في أيديهم - يقصد الناصريين - لكن أنا وقفت مع مصر، بوقوفي الى جانب السادات ضد مراكز القوى، مش لشخص السادات لكن لأنه رئيس مصر الشرعي، وأنا اخترت مصر ورئيس مصر» ونري في هذا الكلام المسترسل من عزيز صدقي موقفاً واضحاً من ثورة التصحيح بالتأييد التام، واتهامه للمسئولين المتآمرين بالديكتاتورية والمركزية مؤكداً أن موقف السادات من الناصريين كان لصالح مصر.. وما أشبه موقف «حافظ اسماعيل» مستشار الأمن القومي في ذلك الوقت بموقف صدقي عندما قال «اخترت أن أقف الى جانب الرئيس لأنه اختيار الشعب وإذا قال الشعب كلمته علينا احترامه، والسادات تم الاستفتاء عليه» أما «مصطفى كامل مراد» رئيس حزب الاحرار وأحد الضباط الاحرار فشبهها بالانتفاضة التي كان لابد منها للوصول الى الديمقراطية والتخلص من النظام الاشتراكي.
كما اعتبرها الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين انتصاراً ساحقاً للسادات تم باحكام ومباغتة في ليلة واحدة، مشيراً في تصريحاته التى سجلها التاريخ أن انتصار السادات على مؤامرة الناصريين يدل على قدراته السياسية وتجربته الواسعة وهو في طريقه الى السلطة.
صراع سلطة
أما الأديب العالمي نجيب محفوظ فقال عن ثورة 15 مايو «كان صراعاً على السلطة بين رجال عبد الناصر والسادات وكانت لحظة حاسمة، فاما جهاز عبد الناصر يستمر أو السادات يبلعه، وكان السادات أشطر منهم وقضى عليهم وكان لابد منها» ويتضح في قول محفوظ تأييده التام لتصحيح السادات وضع الدولة في حينها، وكأنها حرب انتهت لصالح مصر.
وأطلق الكاتب الكبير الراحل «مصطفى أمين» على أحداث 15 مايو 1971 اسم ثورة التصحيح في الحديث عنها في اشارة منه الى تأييدها تأييداً مطلقاً، مشيراً في تصريحاته إلى أنها شىء لابد منه قائلا «كان يجب أن تكون ثورة التصحيح بعد النكسة مباشرة، انما تأخرت عدة سنوات»، أما «جمال حماد» المؤرخ العسكري وأحد الضباط الأحرار فقد أدلى بشهادته التي تدل على أن المتآمرين الناصريين «دبور وزن على خراب عشه» مردداً خطاب السادات عن تجسس الناصريين على رئيس الجمهورية داخل بيته قائلا: «أنور السادات قال فعلاً في خطابه بعدما قبض على مراكز القوى انهم حاطين أجهزة تسجيل في بيته وفي مكتبه».
وهذا ما أكده اللواء «طه زكي» الذي حمل التسجيلات الى الرئيس السادات وكشف فضيحة التجسس على الرئيس قائلا: «القدر وضعني في مكان بالصدفة كي أكتشف التسجيلات والمؤامرة على الرئيس أنور السادات».
وكشف «السيد أمين شاكر» مدير مكتب عبد الناصر ووزير سابق ومن الضباط الأحرار في تصريح له على الحدث: إن تنصيب السادات كرئيس جمهورية كان اجراء روتينياً مؤقتاً من الناصريين، وكان عزله قادماً لا محالة ومتفقاً عليه قبل تنصيبه رئيساً، فيقول شاكر وهو يسرد للمصريين سطورا من التاريخ «السادات رجل ذكي، هو كان صاحب عبد الناصر وكان يعلم جيداً أن عبد الناصر ما يحبش المناقشة الطويلة فكان بيطيعه في كل حاجة تقريباً فلما حكم عبد الناصر ولأسباب نعلمها قام بتصفية واستبعاد عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفضل أنور السادات وزكريا محيي الدين الذي كان موجوداً شكلاً وأخونا حسين الشافعي، فعبد الناصر عين السادات والشافعي نائبين لرئيس الجمهورية، ونظراً لأن السادات كان أقدم من الشافعي فأصبح السادات النائب الأول وحسين الشافعي هو النائب الثاني، ولما مات عبد الناصر علشان يلموا الموضوع بسرعة حصلت فجوة كبيرة جداً في هذا البلد واعتبروا أن السادات هو اختيار عبد الناصر فجابوا السادات لكن من أول يوم كانوا حاطين في ذهنهم انهم يشيلوه».
وربما استفاد السادات كثيراً بنصيحة «كمال الدين حسين» عضو مجلس قيادة الثورة عندما عبر عن رأيه كرجل عسكري في طريقة التعامل مع المؤامرة قائلاً: «إذا كان عايز - يقصد السادات - يخلص بجد لازم يسحق عش الدبابير مرة واحدة ويخلص».
هذه كان آراء الكتاب المثقفين والقريبين من الحدث وأبطاله، شهادة تعظم ثورة التصحيح، وتشهد بضراوتها لصالح مصر، وفي مقابل هذه الآراء كان هناك من يحقر منها ويتهم السادات بالديكتاتورية، لاتخاذ قرار اقالة الناصريين فيقول «سامي شرف» سكرتير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للمعلومات وأحد المتهمين في قضية مراكز القوى عن ثورة التصحيح «ثورة إيه وبتاع إيه، هو الرئيس لما يقيل شوية موظفين يبقى ثورة»؟ كما يقول «عبد المحسن أبو النور» أمين عام الاتحاد الاشتراكي وأحد المتهمين في قضية مراكز القوى «احنا اللي ادناله الفرصة» وعلى هذه الشاكلة كانت آراء المناهضين لثورة التصحيح.
تركهم السادات يصولون ويجولون بغيظهم، واتخذ قبلة شعبه قائلا في أول خطبة في البرلمان بعد ثورة التصحيح «عاوزين نبني المجتمع الجديد، مجتمع الحرية، مجتمع الكرامة، مجتمع يحس فيه كل فرد بالأمن والطمأنينة على يومه، وغده وعلى ابنائه» ولبناء هذا المجتمع قال السادات «لابد أن يكون المدخل الصحيح له عمل الدستور الدائم».
ومن حينها عاشت مصر عهداً جديداً بدأ بدستور 1971 ثم انتصار 6 أكتوبر 1973 وما اشبه اليوم بالبارحة فمصر تعيش ثورة وفي حاجة الى ثورة تصحيح جديدة في الألفية الثانية لاقتلاع الفساد السياسي، والاقتصادي، من جذوره في كل قطاعات الدولة.