المصريون
جمال سلطان
عندما فاجأ صفوت الشريف الجميع بالموافقة على ميلاد الحزب الجديد بقيادة الدكتور يحيى الجمل والدكتور أسامة الغزالي حرب احتار الناس في فهم الحكاية ، غير أن الدكتور فتحي سرور في مجلس الشعب أعاد ضبط الميزان بإخراج مسرحية الرد على مجلس الشورى ورئيسه في نفس الأسبوع ، الحزب الجديد والذي يملك كيانا شرعيا من لحظة إخطار اللجنة له ، أصبح حزبا ممثلا في البرلمان بالفعل ، وله هيئة برلمانية ، ممثلة في العضو أنور عصمت السادات ، فأرادت جهة ما أن ترد على الشورى ، فقررت إعدام الرجل سياسيا ، وحرمان الحزب الجديد من ممثله الوحيد في المجلس ، كيف تمت الموافقة على الحزب وإعدام هيئته البرلمانية سياسيا في أسبوع واحد وفي بلد واحد ، المعنى في بطن الشاعر كما يقولون ، واقعة إسقاط عضوية أنور السادات مترعة بالعبر والدلالات ، كان المشهد مؤثرا في النهاية وهو يعلن أنه يدرك تماما أن الأمر هو قرار سياسي ولا بد من تنفيذه ، يعني أن كل ما جرى في المجلس مجرد عمل مسرحي ، والسيناريو والنهاية تم إقرارها سلفا ، كما أن عضويته ليست أعز من الدستور نفسه الذي فعلوا به ما هو أسوأ ، حالة الاستسلام الصوفي في كلمته الوداعية للمجلس بعد طول صخب وغضب ، تكشف عن إدراك العضو أنه لا معنى للمقاومة أو الاحتجاج ، مشكلة السادات أنه ـ من باب الجدعنه ـ وقع كضامن على إحدى معاملات صديق له ، ثم "خلع" الصديق فحكمت إحدى المحاكم بإفلاسه هو ، فقام بالطعن على الحكم ، ويفترض أن يبت في الطعن خلال أسبوعين على الأكثر ، وهي مسألة لا تمثل أي خطورة أو أولوية بحيث تقتضي أن يطلب "مجهول" من وزير العدل أن يسارع إلى إرسال خطاب رسمي عاجل إلى البرلمان ليخطره بالحكم ويطالب بإسقاط عضوية الرجل ، ثم تتفرغ اللجنة التشريعية في مجلس الشعب في حالة استثنائية لتناقش تلك القضية الخطيرة والمهدد لاستقرار البلد ! ثم ينعقد البرلمان ويخوض معركة مهينة ومزرية من أجل إسقاط العضو ، بينما هناك متهمون ـ كما قال الأعضاء ـ بالقتل وإصدار شيكات بدون رصيد وخيانة الأمانة وغير ذلك من جرائم ، ولم تنعقد لهم لجنة ولا اهتم البرلمان ، وكانت الحجة دائما أن هناك طعنا أمام المحكمة أو أن هناك استشكالا على الحكم ، فما الذي جد في حالة أنور السادات ، ثم ماذا لو حكمت المحكمة بقبول الطعن ورفض الحكم السابق ، هل سيعيدون له عضويته ، ولماذا كل هذا الاستعجال المريب للبت في إسقاط عضوية هذا الشخص تحديدا ، وما هي درجة الخطورة التي يمثلها والتي استدعت من الحزب الوطني أن يحشد كل قواه في المجلس ويحذر أي متخلف عن حضور جلسة إسقاط عضويته ، ولماذا لم يصبر البرلمان أسبوعين اثنين فقط حتى يبت القضاء نهائيا في الواقعة ، إيه الحكاية بالضبط ، أحد الأعضاء "مفقوعي المرارة" قال في المجلس ، يعني لو كان عمه "يقصد الرئيس أنور السادات" هو الذي يحكم الآن ، هل كان العضو يتم التعامل معه بهذه الطريقة ، فأجاب جهبذ بالوطني بكل بجاحة : هي كانت المحكمة انعقدت من أصله ؟! ، ما حدث في إسقاط عضوية "أنور عصمت" يكشف عن تصاعد غير مسبوق في مستويات العنف المؤسسي في مصر ، وهو عنف لم يعد مرتكبوه يعبأون بأي عواقب ، قانونية أو أدبية أو سياسية ، كما يكشف عن أن مجموعة "الخمسة" الذين يقودون البلد ، على حد تعبير الدكتور جمال زهران ، البرلماني المعارض ، أصبحت تتصرف باستهتار كبير مع هموم دولة بحجم مصر ، وفي تصوري أن هذا العنف سوف يتصاعد في المرحلة المقبلة ، ليس مع المعارضة فقط ، بل بين أجنحة في الدولة ذاتها ، لأن "غواية" العنف عندما تتعمق وتستشري ، فإنها تتحول إلى جواد جامح يصعب أن يلجمه عقل أو حكمة ، كما لا يعبأ بخصم أو صديق ، حتى يأذن الله بميلاد جديد .
0 comments :
إرسال تعليق