الدستور
أنور عصمت السادات
شهدت الأيام الأخيرة معركتين انتخابيتين وصفهما المراقبون بأنهما الأقوي والأعنف في تاريخ مؤسستين كبيرتين هما نادي الزمالك ونقابة المحامين لما لهما من ظروف مشابهة ونتائج مفاجئة، فكلاهما لاقي مجلسه الحل من الجهة الإدارية قبل موعد الانتخابات المقررة وكلاهما قامت الجهة الإدارية بتعيين مجلس مؤقت لهما لعقد جمعية عمومية وإجراء الانتخابات، ولكن جاءت الانتخابات لتعطي مؤشرات سياسية مهمة لابد من التوقف عندها ودراستها للاستفادة منها في الانتخابات البرلمانية عام 2010 والانتخابات الرئاسية 2011.
بالإضافة إلي الانتخابات البرلمانية اللبنانية التي تميزت بالشفافية والسخونة الشديدة لما لها من أهمية كبيرة علي الوضع السياسي في لبنان خاصة في ظل المنافسة القوية علي أغلبية البرلمان ومن ثم تشكيل الحكومة بين قوي 14 آذار بقيادة سعد الحريري والتي حسمت المعركة لصالحها بـ 71 مقعدا، وبين قوي 8 آذار بقيادة حسن نصر الله وميشيل عون اللذين حصلا علي 57 مقعداً واعترفا بالخسارة ولكنهما أكدا نزاهة الانتخابات.
ولعلها تكون بادرة خير بتحسن الأوضاع وعودة الاستقرار للبنان، حيث شهدت الانتخابات بعض الظواهر الصحية والتي ترفضها الحكومة المصرية مراراً وتكراراً، جاء أهمها مراقبة المنظمات الدولية علي الانتخابات، ولم نسمع أحداً من الأطراف السياسية يتحدث عن السيادة الوطنية والتدخل الدولي في الشئون الداخلية بل جاءت النتائج مرضية للجميع ومعبرة عن الإرادة السياسية الحقيقية للشعب اللبناني وتعكس مظاهر تحضر قلما تطل علينا من دول عربية مجاورة، إلا أن الحكومة المصرية سارعت فور إعلان النتائج بتهنئة قوي 14 آذار وسعد الحريري وهو ما يعكس رضا النظام عن سير العملية الانتخابية، والسؤال إذن: «لماذا ترفض الحكومة مراقبة الانتخابات من قبل الجهات الدولية ومنظمات المجتمع المدني؟».
وجاءت الظروف المصاحبة لانتخابات نادي الزمالك والتي كانت تنبئ بمعركة قوية بين ثلاثة مرشحين علي منصب الرئاسة لهم خبرات انتخابية كبيرة وباع طويل في رئاسة وعضوية نادي الزمالك ويمتلكون شعبية كبيرة وقوائمهم الانتخابية تحوي أسماء كبيرة أيضا، وعلي مدي أربعة أعوام منذ عام 2005 تعرض نادي الزمالك وأعضاؤه للعديد من المجالس المعينة نتيجة دخول النادي في دوامة القضايا والمحاكم والمعارك الكلامية وخلافه، الأمر الذي أدي لتدهور أحوال النادي بشكل عام والفرق الرياضية خاصة فريق كرة القدم، الذي يمثل الواجهة المتميزة للرياضة المصرية، وانعكست حالة التراجع علي آراء الجمعية العمومية للنادي التي ضربت مثالا ونموذجا ديمقراطيا قلما نجده في حياتنا السياسية تمثلت في الكثافة الكبيرة من الناخبين التي حضرت والتي تمثل أكثر من 70% من الجمعية العمومية للنادي لتشارك برأيها في مستقبل النادي وترسم خطي التغيير وتخيب ظن جميع المراقبين الذين لم يتوقعوا مثل هذا الحضور، وصوتوا لصالح قائمة موحدة وشخصيات مرموقة للارتقاء بأحوال النادي في السنوات المقبلة.
ولم تشب العملية الانتخابية أي احتكاكات أو مهاترات أو تشكيكات، وإنما مرت بسلام وهدوء وبشكل حضاري جميل علي الرغم من الزحام وحضور أكثر من 27000 عضو عامل بالنادي للإدلاء بأصواتهم من الساعة التاسعة صباحا وحتي الساعة الثامنة مساء في مشهد يفخر به جميع الرياضيين ومن ينتمون لأسرة نادي الزمالك العريقة.
وعلي الخطي نفسها جرت انتخابات نقابة المحامين علي الرغم من عدم اكتمال النصاب القانوني في أول أيام الانتخابات، ورغم كل التوقعات التي سبقت الانتخابات باكتساح سامح عاشور النقيب السابق منافسيه حمدي خليفة والنائب طلعت السادات بسهولة كبيرة، كان للجمعية العمومية للمحامين رأي آخر أكدته من خلال حضورها المكثف بجميع اللجان الرئيسية والفرعية والإدلاء بأصواتهم بكل حرية وبشكل متحضر لاختيار نقيبهم ومجلسه الجديد بعيدا عن تكتلات الحزب الوطني أو الإخوان المسلمين، نجح المحامون المستقلون في ترجيح كفة إرادتهم الحرة واختيار حمدي خليفة نقيبا للمحامين في مفاجأة من العيار الثقيل لجميع المتابعين بل للمحامين أنفسهم الذين ظنوا أن سامح عاشور وبدعم من الحزب الوطني يستطيع أن يحسم المعركة بسهولة إلا أنهم أسقطوا من حساباتهم رغبة وإرادة الجماهير التي إذا تحركت لا يستطيع أحد الوقوف أمامها، هكذا عرفت الجمعيات العمومية طريقها للتغيير وقدمت مثالاً للسياسيين في مصر يؤكد أولا أنه بعيدا عن تدخل الدولة والأمن وعدم وجودهما كطرف مباشر نري انتخابات حقيقية من الدرجة الأولي تتسم بالشفافية والنزاهة وثانيا أن المشاركة السياسية للجماهير هي الحل الوحيد للخروج من الأزمة التي يعيشها الوطن والتدهور الذي نشهده، الأمر الذي يحتم علي جميع المؤسسات السياسية مثل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة والإعلام توجيه جهودهم لتوعية المواطنين بأهمية المشاركة السياسية، وضرورة التحرك لإنقاذ الوطن مما يلم به بطريقة ديمقراطية وسلمية بعيدا عن لغة التشكيك والتخوين وإلقاء التهم علي القوي السياسية المختلفة بغرض إضعافها وتضيع ثقة المصريين في الرموز الوطنية، وبعيدا عن الهتافات الحنجورية والشعارات البالية والتي مل المصريون من تكرارها دون تغيير علي أرض الواقع.
إن تحريك الجماهير المصرية نحو صناديق الانتخاب للإدلاء بأصواتهم لتغيير أوضاعهم المعيشية السيئة هو السبيل الوحيد لضمان استقرار الأوضاع السياسية في مصر دون انفجار اجتماعي قد يتسبب في إعادتنا للخلف آلاف الخطوات ونحن علي أبواب طريق الديمقراطية الحقيقية، مازلنا نتلمس الخطي ولكنها بداية جديدة نتمني أن نستثمرها.
0 comments :
إرسال تعليق