المصرى اليوم
حاول العديد من أقباط المهجر منذ بداية الحركة القبطية فى الخارج فى السبعينيات الدخول فى حوار سياسى مع الدولة، التى كانت تتبع معهم سلوكاً اتسم بالازدواجية، فى الوقت الذى كانت تدفع فيه أجهزة الإعلام التابعة لها إلى توجيه اتهامات لهم بالخيانة، كانت تحاول الاتصال من أجل تهدئتهم أو من أجل احتوائهم.
وكانت النتيجة أن العديد من أقباط الخارج توصلوا إلى قناعة بأنه ليست هناك إرادة سياسية، وأن الدولة غير مستعدة لحوار فى إطار سياسى حقيقى، لحل المشاكل.
وكنت أود استعراض محاولات الأقباط فى الخارج للحوار فى إطار سياسى، ولكن المقام لا يتسع هنا لذلك، وسوف أكتفى بالرد على المغالطات التى وردت فى ردود الأستاذ مايكل منير مرتين على الحوار الذى أجرته معى «المصرى اليوم» ٩ أبريل ٢٠٠٩.
يحدثنا مايكل منير عن «حوار شارك فيه أقباط الخارج!» مع الحكومة المصرية على مدى ثلاثة أعوام، وأنجز على حد زعمه وضع «إلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية وصياغة القانون الموحد لبناء دور العبادة على أولويات المناقشات وأجندة العمل والمناقشات فى البرلمان».
وقال «إن ما تم تحقيقه يعد خطوات إيجابية تضاف إلى إنجازات عديدة يشعر بها الأقباط فى مصر». بل الأكثر من ذلك يضيف: «إن هناك خطة شاملة وجادة لحل مشاكل الأقباط، وأنه يجب إعطاء هذا العمل الوقت الكافى، لتهيئة المناخ العام للتغيرات المنتظرة.
يعلم الجميع أنه لم يكن هناك حوار جماعى منذ ثلاث سنوات، ولكن لقاءات فردية للسيد مايكل مع الأجهزة الأمنية خلصت، وبمبادرة منه فى مستهل شهر يناير الماضى، بلقاء ضم ثمانى شخصيات بعضها من خارج مصر وبعضها من شخصيات قبطية بارزة من الداخل للتعرف على مطالب الأقباط، وقد روى تفاصيل هذا الاجتماع اثنان من الذين حضروه من خارج مصر، ونشرت بعض تفاصيله على مواقع قبطية.
وبعد هذا الاجتماع قام السيد مايكل بزيارة لعدد من العواصم الأوروبية لجمع توقيعات على ما سمى ميثاق المجلس القبطى الدولى فى شهر فبراير، ثم أعلن منذ أسابيع عن قيام هذا المجلس، الذى لم يعقد جلسة واحدة.
والملاحظ فى ردود الأستاذ مايكل منير أنه نسب لحواره الفردى المزعوم وضع «إلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية، وصياغة القانون الموحد لبناء دور العبادة على أولويات المناقشات وأجندة العمل والمناقشات فى البرلمان، بعد أن كانت مرفوضة من قبل» -كما قال.
والصحيح أن موضوع إلغاء خانة الديانة، هو من بين المطالب الرئيسية التى بح بها صوت المدافعين عن الدولة المدنية داخل مصر أولا. وفيما يتعلق بمشروع قانون دور العبادة الموحد فهو مطروح على الساحة فى مصر منذ خمس سنوات، وقبل استمالة السيد مايكل منير، وكان أول من طرحه عام ٢٠٠٤ المستشار محمد الجويلى، عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطنى،
كما طرح الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض، أستاذ القانون الدولى، والأستاذة منى ذو الفقار، عضوا المجلس القومى لحقوق الإنسان، مشروعاً آخر، ولا ننسى فى هذا الصدد مشروع القانون الذى قدمه أيضا المحامى أنور عصمت السادات، عضو مجلس الشعب، ولم ينتظر هؤلاء جميعاً قادماً من واشنطن أو من لندن أو من باريس لوضع هذه القضايا «على أولوية المناقشات».
ثم أين هى الإنجازات العديدة التى يشعر بها الأقباط فى مصر كما يقول فى ردوده؟ هل من بينها قيام الأمن، الذى يتحاور معه السيد مايكل منذ ثلاث سنوات، بالسماح لأقباط قرية «سبعة» فى سمالوط بإقامة الصلاة فقط ليلة عيد القيامة الأخير منذ أيام فى كنيسة «النعمة» للطائفة الإنجيلية على أن يعاد إغلاقها المستمر منذ أربعة شهور، بعد صلاة العيد؟ هل من بينها فتح الكنائس المرخصة المغلقة «لدواعى الأمن»؟ هل من بينها عقد محاكمات للمعتدين على الأقباط بدلا من الجلسات العرفية؟
ثم كم من الوقت سننتظر «تهيئة المناخ العام للتغيرات المنتظرة» يا مستر مايكل؟ لم يعد هناك متسع من الوقت أمام الضحايا الذين يعانون كل يوم فى القرى والنجوع من الاعتداءات، لم يعد هناك متسع من الوقت أمام زحف التطرف الذى أصبحنا نعانى منه جميعاً أقباطاً ومسلمين.
إن هذا النظام يا سيد مايكل، إن كنت لا تعلم، مشهور «بالتأنى». النار تشتعل تحت أقدامه كل أسبوع فى قرية أو فى حى أو فى مدينة وهو لا يزال متأنياً إلى حد ضياع الفرص العديدة، لحل مشاكل هذا الوطن بأكملها، وليس مشاكل الأقباط فقط. إن هذا يذكرنى بالأغنية الفرنسية الشهيرة، والتى تسأل فيها الماركيزة خادمها عن الأخبار بعد غيابها أسبوعين، فيقول لها سيدتى الماركيزة النيران التهمت القصر عن آخره والتهمت الحظائر وماشيتها وانتحر زوجك الماركيز، وما عدا ذلك فإن الأمور تسير على أفضل وجه.
وإذا كانت هناك «خطة شاملة وجادة لحل مشاكل الأقباط»، كما تقول، لماذا لا تعلنها للملايين من الأقباط المعنيين بها أولا، ولأشقائك المسلمين المستنيرين حتى يساندوك، أم تود الاحتفاظ بها لنفسك وحدك؟ إننى أتحداك فى أن تعلن لنا جوانب هذه الخطة الشاملة والجادة المزعومة لحل مشاكل الأقباط، وأن تعلن جدولاً زمنياً لتحقيقها، عندها سوف أكون واحداً من مريديك يهذى بإنجازاتك؟ وسوف أعلق صورتك على الحائط ورائى فى غرفة مكتبى.
ويحدثنا عن «هؤلاء الذين لا يقدمون حلولاً على الساحة سوى اتباع سياسات قديمة مثل عقد مؤتمرات تجاوزتها الأحداث، وهى محاولات فقط لإثبات الوجود وكأنهم مازالوا على قيد الحياة»، وأقول له إن السياسات القديمة حاولت أن تقيم حواراً على المستوى السياسى، وأن الذين وقفوا وراءها من الرعيل الأول قدموا عطاءّ لا ينكره أحد غيرك، ويذكره لهم التاريخ وهم أحياء، وإذا كانت السياسات الجديدة هى إقامة حوار مع الأمن هنيئاً لك بهذا التجديد فى العمل السياسى، الذى تحمله إلينا، بعد معايشتك لواحدة من أكبر الديمقراطيات فى العالم.
وإذا كنت تشير إلىَّ فى ردك «بالأخ القبطى» أقول إننى أعتز بمصريتى وقبطيتى، وهما وجهان لكيان مضىء ومشرف عبر العصور، ولن أسقط فى هوة الحديث عن الأصول والأعراق.
ومع افتراض أن الطريق أصبحت ممهدة للحوار، بعد أن تفاقم الوضع إلى حد كبير، لماذا يتم مع أجهزة الأمن داخل الغرف المغلقة؟ ولماذا لا يتم علنا بإشراك الفعاليات السياسية والحزبية والإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان داخل مصر، والتى بح صوتها منذ سنوات بهذه المطالب؟ ولماذا لا يتم مع الوزراء المعنيين بالملف القبطى، مثل وزير الداخلية ووزير العدل ووزير التعليم ووزير الإعلام، ولو كان الحوار قد حدث مع أى منهم بشكل جاد، لامتلأت بصوره أجهزة الإعلام الحكومية.
إن أى حوار مع الحكومة لابد أن يشترط فى البداية رفع هذا الملف من أيدى الأمن. نحن نريد، ومعنا الكثيرون من أشقائنا داخل وطننا الحبيب، مساعدة الدولة فى الخروج من هذا المأزق، الذى وضعت نفسها ووضعتنا فيه منذ عقود، والذى يتمثل فى رؤية أمنية قاصرة عن تقديم الحلول لهذه المشاكل، رؤية أمنية تكتفى فقط بتقديم الوعود ومحاولات التسكين. لقد أصبحت المطالبة برفع يد الأمن عن هذا الملف وجميع مشاكل المصريين هى أحد المطالب الرئيسية للمصريين جميعا وليس للأقباط فقط.
وفى النهاية أقول ليس هناك عاقل يعترض على إقامة حوار مع الحكومة من أجل حل المشاكل، وكنت أول من طالب بفك الاشتباك بين الدولة ونشطاء الأقباط فى الخارج فى كتابى «الكشح الحقيقة الغائبة» منذ خمس سنوات، خاصة أنهم لم يرفعوا السلاح ضد الدولة مثل الجماعات الإسلامية،
وأكرر ذلك فى أحاديثى الصحفية منذ سنتين، لكن أى محاولة للحوار، حتى تكون جادة ومثمرة، يجب أن تكون فى إطار سياسى، وليس فى إطار أمنى، ومن خلال مشاركة جماعية ليس فقط من أقباط الخارج والداخل، ولكن من جميع الفعاليات التى تطالب بحقوق الإنسان داخل مصر، وعلى أجندة زمنية محددة، وفى العلن وليس داخل الغرف المغلقة، على الأقل من أجل «تهيئة المناخ العام للتغييرات المنتظرة».
0 comments :
إرسال تعليق