جبهة انقاذ مصر
بقلم: انور عصمت السادات
أن تقف الحكومة لتتظاهر على سلم المحكمة مشهدا ً يندر أن تراه في مصرنا , ولكنه حدث ولهذا قصة , فبعد اصدار محكمة القضاء الاداري حكمها التاريخي بوقف تصدير الغاز المصري لاسرائيل شعرت بسعادة غامرة لما وصلت اليه حملة (لا لنكسة الغاز) بعد شهور من العمل المتواصل الذي كلله الله بهذ الحكم العادل الذي أعاد للمصريين حقوقهم , واستعاد ذهني ذكريات بداية الحملة والأهداف التي وضعتها مجموعة العمل منذ البداية وكيف تحققت كلها تقريبا ً , بدءا ً من حشد الرأي العام تجاه فهم تفاصيل القضية المعقدة لارتباطها بأرقام علمية صعبة الفهم على المواطن البسيط ولكن لها دلائل اقتصادية خطيرة تؤثر على حياته اليومية , ومرورا ً بمحاولة وضع مجلس الشعب أمام مسئوليته في الحفاظ على موارد مصر الطبيعية عن طريق دوره الرقابي والتشريعي طبقا ً للدستور , ووضع الحكومة أمام مسئولية اتخاذ القرار وعدم التهرب منه , وانتهاءا ً بتفعيل آلية المحاسبة القضائية في قضايا الفساد الاداري واهدار موارد مصر الطبيعية , وأخيرا ً اجتماع القوى الوطنية والسياسية والحركات الشعبية والرأي العام على هدف واحد وهو الحفاظ على ثرواتنا وعدم التفريط فيها لأنها تمثل المستقبل لأبنائنا .
وجاءت النتائج مرضية تماما ً حيث اعترفت الحكومة بمسؤليتها عن الأسعار المتدنية التي تعاقدت عليها لتصدير الغاز بعد ان حاولت التملص من المسؤلية بإدعاءات كشفتها الأوراق والوثائق والعقود الرسمية التي قدمتها الحملة للرأي العام , وبدأت الحكومة في ايهام الرأي العام بمحاولة اعادة تسعير الغاز ولكن الحقيقة ان تلك المحاولات تلقى رفضا ً قاطعا ً من الشركات الاجنبية التي وقعت معها الحكومة العقود وهي الورطة التي تسبب فيها الشريك المصري الذي باع حصته للشركاء الاجانب لتأكده من ان توقيع العقود والتسعير الذي يخالف الاسعار العالمية بفارق رهيب غير دستوري .
واستطاعت الحملة ان تدفع البرلمان المصري لأداء دوره الرقابي عندما استجوب وزير البترول حول العقود والأسعار التي لا يعرف النواب عنها شيئا ً , وأجهضت أغلبية الحزب الوطني دور مجلس الشعب التشريعي عندما طرح بعض النواب مشروعا ً لقانون للمجلس الحق في السيطرة على موارد مصر وصوتت الأغلبية لصالح الحكومة وضد مصلحة الشعب التي تمثله في البرلمان وضد توسيع سلطات البرلمان في سابقة تاريخية لنواب يصوتوا ضد مصلحة البرلمان .
وجاء دور المحاسبة القضائية لتسترد حق المواطنين البسطاء الذين لا سند لهم سواه بعد ما تهاونت حكومتهم وخذلهم نوابهم في البرلمان , فكان الأمل في عدالة قضاتها الشرفاء ونزاهتهم في إعمال قاعدة سيادة القانون .
وكانت المفاجأة في أوراق دفاع الحكومة الضعيفة التي قدمها العشرات من محامي وزارة البترول الذين تباروا في محاولة اضاعة الوقت واعاقة العدالة وتباروا في تقديم الاسانيد الضعيفة التي أبطلها السفير المحامي ابراهيم يسري وهو المستشار القانوني للحملة وبدعم من الدكتور ابراهيم زهران خبير البترول بالاضافة الى العديد من الحركات الشعبية والشباب والقوى الوطنية الحرة الذين ساندوا الحملة باستماتة واحتشدوا في مجلس الدولة مع موعد كل جلسة ليثبتوا للحكومة جديتهم في الدفاع عن حقوقهم المسلوبة .
وبعد صدور الحكم تظاهر محامين الحكومة أمام مجلس الدولة في مشهد هزلي للتنديد بالحكم وهو مشهد تبادلت فيه الحكومة لأول مرة الأدوار مع الشعب لتذوق ولو لمرة واحدة منذ زمن طويل مرارة انتصار الشعب وارادته ونجاحه في استرداد حقوقه المسلوبة .
وكان موقف المحكمة خلال الطعن السلبي موقفا ً قويا ً يستحق الاشادة والتقدير عندما قام القاضي الشجاع بطرد محامي الحكومة من القاعة بعدما تطاول على منصة القضاء واتهمها بالفساد في ظاهرة شاذة تعبر عن سلوك النظام الحالي تجاه الاحكام القضائية ورغبته في عدم تنفيذها .
ولكن التجربة مليئة بالايجابيات وعلى رأسها نجاحنا في تفعيل آليات العمل السياسي مثل الرأي العام ومجلس الشعب وعدالة القضاء ودورهم في كشف الحقيقة والانتصار لإرادة الشعب وإعادة التوازن السياسي المفقود .
0 comments :
إرسال تعليق