شبكة الاعلام العربى
محيط ـ علي عليوة وعادل عبد الرحيم
أثار قرار محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري بوقف تنفيذ قرار الحكومة الذي يقضي بتصدير 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي لإسرائيل حالة من الارتياح الشعبي والنخبوي، حيث صفق له الجميع على اعتبار أنه تصحيح لوضع رأوه خاطئا لسنوات طويلة.
وكان السفير إبراهيم يسري المحامي بالنقض قد رفع الدعوى بالتعاون مع مجموعة من المحامين للمطالبة بوقف قرار السماح بتصدير الغاز لإسرائيل ، وكذلك إلغاء قرار رفع أسعار البنزين والسولار حيث يمكن تعويضه من رصيد الدعم الذي منح لإسرائيل.
وقد شكل نشطاء سياسيون لجنة شعبية لوقف مد اسرائيل بالغاز المصري، والتي نظمت بعض الفعاليات لحشد الرأي العام للضغط علي الحكومة للتراجع عن تصدير الغاز.
مشادة ساخنة
وقد شهدت الجلسة السابقة مشادة ساخنة أثناء نظر الطعن علي قرار تصدير الغاز المصري لعدد من الدول الأجنبية بينها إسرائيل ، حيث تبادل طرفا الطعن وهما السفير السابق إبراهيم يسري وهيئة الدفاع عن رئاسة الوزراء ووزارة البترول، الاتهامات أمام المحكمة التى استمعت إلي مرافعة السفير السابق إبراهيم يسري، صاحب الطعن، الذي اتهم فيه رئيس الوزراء ووزير البترول باغتصاب سلطة رئيس الجمهورية وانتهاك الدستور والقانون.
وقال إن قرار تصدير الغاز إلي هذه الدول ينتقص من السيادة الوطنية ويضر مصالح مصر إذ إنه يحدد سعر وكمية الغاز الذي يتم تصديره ويمنع تغيير هذه الأسعار لمدة 15 سنة، وهو ما يعوق التنمية الاقتصادية ويحرم الفقراء من الاستفادة بعائد هذا التصدير، موضحًا أن ما تكبدته مصر من خسارة جراء هذا القرار يصل إلي 9 ملايين جنيه يومياً وهو ما يهدر المصلحة العليا للدولة.
وكان رئيس الوزراء المصري د. أحمد نظيف قال في مايو / أيار الماضي إن هناك نية لتغيير عقود تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل. فيما أعلنت شركة كهرباء إسرائيل في مايو / أيار الماضي عن بدء تدفق الغاز الطبيعي المصري عبر خط أنابيب للمرة الأولى إلى إسرائيل، وأقرت الحكومة المصرية في مارس/آذار الماضي أن سعر الغاز المباع لإسرائيل هو أقل من الأسعار العالمية، إلا أنها رفضت الكشف عن سعر المليون وحدة حرارية بالضبط.
عودة الأمل
ويقول الكاتب الصحفي الدكتور كمال حبيب إن قرار محكمة القضاء الإداري اليوم بمنع قرار الحكومة تصدير الغاز للكيان الصهيوني يعد من أخطر وأهم القرارات التي أصدرتها محكمة القضاء الإداري، فهو يعيد الأمل لدي القوي السياسية والاجتماعية ولدي المواطن العادي بأن هناك حائط صد يحفظ للبلد ثروتها وللأجيال القادمة حقوقها في ثروة بلدها ، وهنا يمكن أن نطلق علي الوطيفة التي يقوم بها القضاء الإداري في مواجهة الحكومة أنها وظيفة إعادة الثقة والاطمئنان للناس في وقت تبدو فيه البلد وكأن السلطة التنفيذية تنفذ ما تراه دون رقيب أو حسيب
هنا القضاء يقوم بدور إعادة الاعتبار للسياسة وإعادة الاعتبار لمعني أن يكون هناك سلطة تعبر عن نبض الناس وشعورهم بل وعقلهم ووجودهم ذاته ، كما أن الصيغة التي قام بها الناشطون من خلال رفع دعوي ضد الحكومة في القضاء الإداري لمنع تنفيذ قرارها هي صيغة جديدة من المقاومة الجادة والإيجابية والتي لم تجربها قوي المعارضة المصرية بشكل واضح ، فهنا تقاليد جديدة للمعارضة من خلال القضاء ، والعديد من الحركات الاجتماعية في الغرب وأمريكا وفي عالم الجنوب تستخدم تلك الأداة القضائية في مواجهة قرارات السلطات التنفيذية الغاشمة
وأضاف الدكتور كمال حبيب:" سيظل القضاء المصري هو حائط الصد النهائي لحماية ثروة مصر من النهب ، خاصة أن موارد الغاز الطبيعي المصرية هي موارد محدودة لا يجوز التفريط فيها بالبيع لأي جهة بدون وجود هيئة محكمين مختارة من خبراء ومن جهة محايدة كما تقوم هذه الجهة بالتسعير ولا يترك ذلك للحكومة أو الحزب الحاكم".
مقاومة التطبيع
وقد أكد الكاتب السياسي د. رفعت سيد أحمد ـ رئيس مركز يافا للدراسات السياسية أحد المشاركين في حملة وقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل ـ على أن قرار محكمة القضاء الإداري بتأييد دعوى وقف التصدير يعبر عن بعدين أساسيين أولهما نزاهة واستقلال القضاء وصموده ضد كافة التحديات والضغوط التي تمارس ضده من مؤيدي التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي فلا زال لدينا قضاء نزيه مستقل
البعد الثاني يعكس هذا القرار إصرار النخبة الوطنية على مواصلة مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني بكافة صوره، فكون السفير إبراهيم يسري يظل على موقفه رغم تخطيه سن السبعين فهذا جهاد محترم ضد العدو الرئيسي الذي يحاول البعض تجميل صورته على أنه شريك في السلام.
وبخصوص ما يتوقعه البعض من أن الحكومة المصرية ستطعن في هذا القرار، يؤكد د. رفعت أنها إذا فعلت ذلك فستكون ارتكبت أكبر حماقة في تاريخها، كما أنها إذا لم تستثمر هذه الفرصة التي منحها لها القضاء فستفقد أحد أركان شرعيتها، وإذا استمر الفريق الإسرائيلي في السلطة المصرية على أهدافه فستكون العواقب وخيمة، حيث أن في أيدي الحكومة الآن فرصة ذهبية حتى على المستوى البرجماتي للتراجع عن هذه الصفقة الملوثة.
ثروات الأجيال القادمة
أما ممدوح الولي ـ الباحث الاقتصادي ونائب رئيس تحرير جريدة الأهرام ـ فيرى أنه ليس من المقبول أن تكون مصر في أمس الحاجة إلي الغاز ونقوم بتصديره إلي الخارج سواء إلي إسرائيل أو غيرها في ظل الاحتياج الشديد في مصر للغاز سواء في تشغيل المصانع أو الاستخدام المنزلي ثم كيف نعطي الغاز للكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ويمارس القتل والاجتياحات والاستيلاء علي المزيد من الأراضي في الضفة الغربية بصفة شبه يومية في الوقت الذي يموت فيه أهالي غزة المحاصرين بسبب عدم وجود الطاقة اللازمة لتشغيل المستشفيات.
وتساءل الولي: كيف نفرط في ثروتنا من الغاز ونحن نعلم أن عمر هذه الثروة لا يتجاوز الثلاثين عاما وأنها علي قدر كبير من الأهمية حيث أنها تستخدم كوقود في المنازل وتدخل كمادة خام في عدد من الصناعات مثل البتروكيماويات والأسمدة كما أنها تستخدم كوقود في عدد من المصانع باعتبارها طاقة نظيفة بديلا عن المازوت الملوث للبيئة.
تحية انحناء
فيما يلفت الخبير الاقتصادي د. فاروق العشري ـ أمين التثقيف السابق بالحزب العربي الناصري ـ الانتباه لمسألة خطيرة وهي أن مصر حين تصدر الغاز لدولة الاحتلال فإنها تعمر هناك وتخرب هنا، فالغاز والبترول في مصر ثروات قابلة للنضوب وهذا ليس سرا فنحن أولى به من غيرنا، فما بالك إذا كنا نزود به أعداءنا ليزيدوا قوة ونزيد ضعفا، كما أنه كيف يتمسك كائن من كان بتصدير الغاز لدولة تستخدمه لإبادة إخواننا الفلسطينيين.
ويضيف فاروق العشري: قرار محكمة القضاء الإداري يستحق انحناءة تحية لأنه يعبر عن مطلب شعبي وجماهيري ملح وجارف يرفض التطبيع منذ زيارة الرئيس السادات والتي بالمصادفة كانت في مثل هذا الشهر نوفمبر عام 1977، فلابد من التأكيد على أن السلام أو التطبيع لا يفرضان بالقوة خاصة أن الكيان الإسرائيلي نفسه لم يعترف بالسلام حتى الآن ولا يعترف بأن حرب أكتوبر 1973 هي آخر الحروب مع العرب بل أنهم دائما يرددون أن أمامهم حرب تحرير واستقلال، ولعل هذا الحكم يكون خطوة نحو إجراءات أخرى وطنية لمحاربة التطبيع.
0 comments :
إرسال تعليق