ظهر الفساد في البر والبحر 3

البديل

15 مليار جنيه رصدتها الحكومة لتطوير الموانئ، هذا ما صرح به وزير النقل «محمد لطفي منصور» في أكتوبر الماضي، هذا الخبر الذي تناقلته الصحف دفعنا للبحث وراءه ومعرفة ماذا يجري في الموانئ المصرية، وحقيقة خطة التطوير الحكومية بعد أن تسربت انباء عن فساد بالجملة وخناقات لرجال أعمال حول الموانئ والسماح للاجانب بالسيطرة علي بعضها وهو ما أعاد للأذهان الأزمة التي شهدتها الولايات المتحدة عندما تم تخصيص احد الموانئ لشركة اماراتية للسيطرة عليه.

رحلتنا التي شملت سبعة موانئ مصرية - 4 منها كبيرة و3 موانئ صيد - كشفت العديد من المفاجآت عن حجم الفساد وانتهاك حقوق العمال داخل الموانئ المصرية لكن الخطر الأكبر هو ما كشفته العديد من المستندات حول سيطرة الاجانب علي الموانئ الكبيرة، بل غياب الأمن المصري في بعضها لصالح شركات خاصة.
حقائق كثيرة تكشفها جولتنا في الموانئ، لكن جميعها يؤكد أن الفساد امتد من الأرض إلي البحر.
ميناء السخنة.. الاحتكار يحكم البحر
تحت شعار تطوير صناعة النقل البحري.. الحكومة انشأت ميناء السخنة
ودمرت مينائي الأدبية والسويس:
أسماء الغنيمي - أميرة هشام

ابتدعت الحكومة المصرية نظاما جديدا للخصخصة ليس له مثيل بأي دولة متقدمة أو متخلفة في العالم.. نظام عماده التخبط والتناقض، يفاجأنا كل عام بل كل يوم بشكل مختلف ومتناقض القرارات والسياسات. كل شيء قابل للبيع.. الشركات الخاسرة يتم بيعها والرابحة أيضا يتم بيعها بأسعار متدنية جدا أقل بكثير من قيمتها السوقية، وقيمة أصولها المالية أو العقارية. الخصخصة لا تبقي ولا تذر.. وخلال السنوات القليلة الماضية بدأت تخطو أولي خطواتها في مجال بيع المرافق الوطنية الحيوية ومنها بالطبع الموانيء. بدأت أولي تلك الخطوات تحت شعار أثير لامع لا يختلف عليه اثناين "تنمية وتطوير صناعة النقل البحري والخدمات الملاحية بمشاركة القطاع الخاص".. وما أدراك ما القطاع الخاص حيث بات 82 ميناء مصريا تحت سيطرة قله من المستثمرين.

الحال في النازل
فقدت الموانيء المصرية مكانتها اقليميا وعالميا بفضل غياب السياسات التسويقية الواضحة، والنقص الكبير في البنية الأساسية للموانيء، وانخفاض مستوي التكامل اللوجيستي بالموانيء، وبطء حركة المرور داخلها، وطول الاجراءات البيروقراطية المعقدة. ساهم كل ما سبق في إضعاف الموانئ المصرية، وفقدان القدرة علي المنافسة حيث انخفض معدل البضائع المتداولة إلي أقل من 95 مليون طن سنويا، وكذلك تداول الحاويات الي 3.6 مليون حاوية وهذه المعدلات تعد منخفضة للغاية مقارنة بالنسب المتحققة في موانيء أخري في المنطقة أقل من حيث المزايا والمعطيات طبيعية وبشرية. الإدارة السيئة للموانيء المصرية أدي لوصولها إلي وضع مترد، حيث ضعفت الخدمات البحرية بمختلف أنواعها، ويعد ميناء الأدبية من أبرز الأمثلة علي ذلك الوضع فقد كان صرحا مصريا قويا مستقلا في يوم من الأيام، يحقق دخلا قوميا كبيرا وكل ما كان يحتاجه هو التطوير والتحديث، وإقامة محطة لتداول الحاويات بالميناء سواء بواسطة الدولة أو بنظام الـ B.O.T.
العين السخنة آه.. الأدبية لا
قررت الحكومة عام 1998 إنشاء محطة لتداول الحاويات بميناء الأدبية بنظام الـB.O.T مما أسعد جميع العاملين في هذا المجال، وبالفعل تقدمت عدة شركات عالمية ووطنية بعروض طيبة ومناسبة؛ منها بترا والسلام للملاحة والتجارة العالمية وكوبرت سميث وسكاب والسلام الدولية حيث قدمت جميعها أفضل العروض الفنية والمالية، لكن دائما ما تأتي الرياح بما لا يشتهي المصريون فحكومتنا الرشيدة خاطبت الشركات المتقدمة لتعديل عروضها لإقامة المحطة بالميناء الجديدة شمال العين السخنة علي الساحل الغربي لخليج السويس علي مسافة 22 كيلو مترا مربعا بدلا من ميناء الأدبية. والسؤال الذي كان مطروحا بقوة.. لماذا أقدمت الحكومة علي تلك الخطوة؟!.. لا نعرف سوي أن ما حدث كان لتحقيق مصالح ومنافع شخصية لبعض السماسرة والمنتفعين وإرضاء لكبار المسئولين.
تخطيط متخبط
الغريب في الأمر أن الحكومة أنفقت علي مشروع ميناء السخنة أكثر من ملياري دولار لإنشاء البنية الأساسية التي شملت بناء 6 أرصفة بطاقة استيعابية تقدر 6ملايين طن هذه الأرصفة تعمل في مجالات شحن وتفريغ الحاويات وبضائع صب وعامة ولانشات القطر مع العلم أن هذا الميناء منافس لميناء الأدبية الذي كان يحتاج لأقل من ربع هذا المبلغ ليصبح ميناء عالميا جذابا ولكن التخطيط المتخبط أو المتعمد لتلك الخطوة ساعد هذا الميناء الجديد علي حساب ميناءي السويس والأدبية اللذين عانا كسادا كبيرا. زادت الحكومة الطين بلة عندما اكتشفت فجأة أن ميناء الأدبية لم يعد صالحا لاستقبال الحاويات، مما سبب خسائر فادحة لشركة قناة السويس للشحن والتفريغ وتشريد آلاف العاملين المدربين. لم تكتف الحكومة بذلك بل قامت بمنح ميناء السخنة الذي أنفق عليه أكثر من ملياري دولار إلي رجل أعمال بنظام الأمر المباشر وبالمخالفة لكل القوانين واللوائح المصرية، وبدون مزايدات أو مناقصات ولا عزاء للحرية والمساواة وتكافؤ الفرص.
وطن للمحظوظين
الرجل المحظوظ هو أسامة الشريف الذي يري النائب السابق أنور عصمت السادات أن كل مقوماته في الحياة أنه صديق لعمر الطنطاوي الصديق الصدوق لجمال مبارك، وهو أيضا القاسم المشترك بينهما الذي من أجله تم التعاقد وتضمين العقد بشروط إذعان وإجحاف للطرف المصري لصالحه، ويصف أنور عصمت السادات هذا العقد بالقبيح والمهين للمصريين لأن ذلك العقد سهل له احتكارالخدمات الملاحية بالميناء وتحويل الهيئات التابعة لوزارات النقل والمالية والصحة والاستثمار الي خدام منفذين لإدارة هذا الرجل وشركته، وأصبحت هيئة موانيء البحر الأحمر محتكرة وخاضعة له ولممدوح إسماعيل، ويستطرد السادات قائلا: "علي أيديهم تم انجاز أكبر صفقات التهريب للسلع والمخدرات والنفايات والمتاجرة بأرواح المصريين" أما الفاجعة الكبري عندما نجحت الشركة المحتكرة لميناء السخنة في تحديد وتحييد سلطات الموانيء من جمارك وحجز وتفتيش وسلامة وحولتهم إلي موظفين في شركتها فقد استطاعت أن تحقق مكاسب ضخمة من الإفراج الميسر عن الحاويات والبضائع دون تفتيش أو رقابة أو حتي رسوم وبالتالي نجحت الشركة في القضاء علي البيروقراطية والروتين الحكومي بفضل سياسة "فتح مخك وافتح جيبك" و"اللي له ظهر ماينضربش علي بطنه"، ناهيك عن أن هيئة الجمارك لا تكشف إلا علي 3% فقط من البضائع الواردة وتمرر الـ 97% الباقية دون تفتيش وهو ما يمثل خطرا كبيرا علي الأمن القومي المصري.
تهريب نفايات نووية
وكما يؤكد أنور السادات فإن الخطر الناتج عن تساهل هيئة الجمارك يتمثل في تهريب النفايات النووية والكيماوية إلي مصر، ودفنها في الصحراء المصرية وكذلك تهريب المخدرات والمنتجات غير المشروعة والسلع المسرطنة إلي مصر، وكل ذلك يكون تحت سيطرة وسطوة الرجل المحظوظ الذي حصل علي امتيازات وحصانات «خمس نجوم» في كل ما يقوم به من أعمال حيث وصل الأمر إلي حد وضع تشريعات خاصة ومفصلة تسمح له بالسيطرة والاحتكار علي رأسها القانون رقم 1 لسنة 1998 الذي يجيز للأشخاص الطبيعية والمعنوية مزاولة أعمال النقل البحري والشحن والتفريغ والوكالة البحرية وتموين السفن وإصلاحها وصيانتها، وأيضا القرار الوزاري رقم 520 لسنة 2003 بشأن الضوابط والشروط الخاصة بتلك الشركات.. هذا كله أعاد الاحتكار والامتيازات الأجنبية الي الموانيء المصرية بما يعني استعمارا اقتصاديا جديدا وخسارة لعشرات المليارات من الدخل القومي أصبحت تصب في خزائن رجال الأعمال الأجانب. ويبين السادات تلك المفارقة قائلا : "في الوقت الذي تشترط فيه جميع موانيء العالم قصر هذه الخدمات علي مواطنيها فقط نجد أن مصر هو البلد الوحيد الذي يسمح بحق الوكالة للأجنبي".
ميناء جديد وخراب ديار
مجمل ما ذكرناه في السطور السابقة يعني باختصار أنه تم إلغاء التعامل مع ميناءي السويس والأدبية لصالح هذا المستثمر المحظوظ بحيث أصبح صاحب القرار الأول والأخير في كل شئ سواء في الرقابة أوالتفتيش أوالاجراءات أوالجمارك أو جميع الخدمات بالإضافة إلي فصل وتشريد العمالة المصرية. وعلي الجانب الآخر من المشكلة أكد النائب سعد الدين محمد ومدير إدارة شئون السفن بشركة القناة أن أزمة ميناء الأدبية أدت الي تشريد الآلآف من عمال وموظفي مكاتب التخليص الجمركي المنتشرة في مدينة السويس لأن شركة ميناء السخنة لها مكتب تخليص جمركي خاص بها، وأشار النائب الي العديد من المظاهرات التي يقوم بها هؤلاء الموظفون والتي كان آخرها منذ ثلاثة شهور داخل المجلس المحلي لمدينة السويس حيث تظاهر أكثر من 500 مستخلص جمركي في السويس احتجاجا علي وقف العمل بميناء الأدبية واحتكار إحدي الشركات لهذه الأعمال في ميناء السخنة بنظام B.O.T بحق انتفاع لمدة 25 عاما مما تسبب في تشريد عمال وموظفي مكاتب التخليص الجمركي والتي تصل إلي 500 مكتب، حيث اضطر أصحاب هذه المكاتب إلي طرد أغلب العمال لعدم الحاجة إليهم وهذا يعني فصل ما لا يقل عن 1500 عامل.. هذا بالإضافة الي انعدام العمل داخل شركة السويس للشحن والتفريغ وغيرها من الشركات الأخري التي تعمل داخل الميناء بسبب تحويل العمل إلي ميناء السخنة بقرار من السادة المسئولين بالدولة. بينما تساءل النائب عباس عبد العزيز قائلا هل تكفي أجهزة X-RAY قدرة الـ3ميجاوات للكشف علي الحاويات ورقابتها وضمان عدم احتوائها علي نفايات أو أي مواد خطرة أو مخدرات وهل بهذه الرعونة نتعامل مع قضية الأمن القومي المصري، ويستكمل قائلا: " الأخطر من ذلك هو دفن تلك النفايات النووية والكيماوية الواردة في الحاويات داخل الصحراء بالإضافة إلي إمكانية أن تحمل الحاويات أسلحة وذخيرة إلي جهات أخري".
مسئولو السخنة يرفضون التعليق
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه والذي كنا نود الإجابة عليه أثناء زيارتنا لهذا الميناء..هل تحققت الاستثمارات التي وعدت بها الشركة عند توقيع العقد أم لا؟!.. للأسف لم نحصل علي الاجابة حيث رفض المسئولون هناك مقابلتنا بمجرد معرفتهم أننا من "البديل" ولم يكتفوا بذلك بل أنهم أرسلوا خلفنا بعض أفراد الأمن الخاص الذي يعمل بالميناء لمراقبتنا حتي نخرج ومنعونا أيضا من التصوير الأمر الذي جعلنا نختلس بعض الصور خفية. لكن السؤال الذي استعصت علينا إجابته وتهربت الشركة من الإجابة عليه يجيبه النائب السابق أنور السادات الذي أكد أنه واقعيا لم تتحقق الاستثمارات التي وعدت بها الشركة والدليل علي ذلك أن اجراءات استلام البضائع تستغرق في ميناء السخنة من 4 إلي 6 أيام أي أكثر مما كانت تستغرقه الاجراءات في ميناء الأدبية مع أن الشركة تدعي قيامها بتطوير الأداء الملاحي كما أن طاقة العمل في الحوض الأول منذ الانشاء لم تتجاوز الـ60% منذ افتتاحه في 2001 رغم أن تكلفته بلغت 775 مليون جنيه بالإضافة إلي أن الأجهزة المستخدمة للكشف علي البضائع قديمة ولم يتم تطويرها، وقد لفت النائب النظر الي أمر خطير جدا وهو قيام الشركة باعطاء نفسها الحق في أخذ مساحات أراض ممتدة في الميناء دون وجه حق وليست ضمن العقد واعتبرت نفسها مسيطرة علي هذا القطاع بأكمله بل والأدهي من ذلك قيامها بتقسيم هذه الأراضي وبيعها

0 comments :

إرسال تعليق