المصرى اليوم
حوار محمد غريب
أثارت استقالة الدكتور علي السلمي «نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية» من منصبه الحزبي الدهشة لدي الكثير من المراقبين السياسيين، خاصة أن هذا الحزب لايزال وليداً ويتنبأ له الكثيرون بمستقبل مختلف عن أحزاب الساحة السياسية الحالية، نظراً لما يضمه من نخبة مميزة من المفكرين والمثقفين والشباب أيضاً.
هذه الاستقالة طرحت العديد من الأسئلة حول حقيقة الوضع داخل «الجبهة» وشكل العلاقات بين الأعضاء، وهل تحمل صراعات أم لا.
وللحصول علي إجابات لهذه الأسئلة كان من الضروري الوصول لـ«السلمي» والتحاور معه حول أسباب الاستقالة المفاجئة ورؤيته لأوضاع الحزب، وكذلك أجندته السياسية والحزبية المستقبلية، فكان الحوار التالي:
* د.علي، أعلنت أن الاستقالة ترجع إلي خلافات سياسية وفكرية مع بعض القائمين علي الحزب، ما هذه الخلافات تحديداً؟
- نحن نتكلم عن عمل جماعي المفروض أن يحدث فيه نوع من التكامل والتعاون، ولكن المشكلة أن التوجهات الرئيسية للحزب غير واضحة، ونتج عنها صدامات في الرأي، فالبعض يفهم المواطنة والليبرالية بشكل مختلف عن الآخر، وكل حسب رأيه.
ولم تتح لنا الفرصة لعمل حوار داخلي، كما أن أفكار الحزب التي طرحناها أخذناها فقط كعناوين وبدون تفاصيل، ونحن كمجموعة لم نتعمق مع بعضنا البعض بالقدر الكافي الذي يساعدنا علي وضع مفاهيم مشتركة، الأمر الذي أدي إلي ظهور آراء «متشنجة» تأخذ صورة متطرفة، فمثلاً عندما أتحدث عن الإبقاء علي القطاع العام بشروط أجد رفضاً تاماً يقول نحن نتحدث عن اقتصاد سوق ليس به قطاع عام.
* وماذا عن الأوضاع داخل الحزب؟
- التنظيم غير واضح، واللائحة غير متفق عليها وغير معتمدة، ولم يستكمل تشكيل الهيئة العليا للحزب، والتي يجب أن تكون من ٢٥ عضواً، ولكن الموجود منهم الرئيس ونوابه والأمين العام ومندوبو المحافظات فقط، والسبب في ذلك أن هناك وجهات نظر داخل الحزب يميل بعضها إلي التأجيل، ويمكن أن يكون هناك تصورات أخري للوقت المناسب للتنفيذ.
* وماذا عن اعتراضك علي فكرة فصل الدين عن السياسة في فكر الحزب؟
- بعض الناس في الحزب فاهمين أن الليبرالية هي إبعاد الدين تماماً عن السياسة، نعم هذا مطلوب والدولة المدنية أيضاً مطلوبة. لكن لا يمكن نزع المرجعية الدينية من أحد أثناء تفكيره في أي أمر يقوم به وهذا يتساوي فيه المسلم والمسيحي حتي لا يكون الفاصل في قراراتنا ديانة أحد، ولكن يجب أن يكون المرجع هو اتفاق أي أمر مع مصالح مصر، فنحن لسنا قائمين لنعادي أحداً.. فأملنا هو تحريك الكتلة الصامتة التي تمثل ٧٧% من أبناء هذا الوطن وتحقيق متطلباتها، ونحن لم نعط لأنفسنا فرصة للحوار الفكري فالبعض انشغل بإعداد توكيلات الحزب وآخرون انشغلوا بإعداد اللائحة وكلما نمر بأزمة نطلب الجلوس معاً.
* أعلنت مع استقالتك أن حزب الجبهة ليس به مقومات الحزب السياسي كيف ذلك؟
- مقومات الحزب السياسي هي فكر ناضج ومجموعة من الفاعلين الذين ينقلونه لأرض الواقع، ومجموعة من وسائل الاتصال تنقله للناس فالحزب ليس مجرد مقر وورقة تقدم إلي لجنة الأحزاب، فيجب أن يكون هناك منهج وعقيدة سياسية واضحة فالبلد به فراغ سياسي كبير، ويجب أن تكون لدي «بوصلة» توضح لي ما يتم تنفيذه من الحكومة ولا يتم حتي أدرس حلوله، وللأسف هذه المقومات غير موجودة في حزب الجبهة فهو يضم شخصيات متميزة ولكن كلاً منهم في «قمته» منعزلاً عن الآخرين، فمثلاً نحن لم نستفد من علم الدكتور مصطفي كمال طلبة في وضع حلول لمشاكل البيئة.
التفكير انصرف عن تحقيق رؤية استراتيجية. لقد تكلمنا كثيراً عن هذه الأمور ورد الفعل كان دائماً «صفر».
* وصف الدكتور يحيي الجمل استقالتك بأنها خسارة كبيرة وأنك «خيبتَ أمله». كما أنك لم تحترم الاتفاق معه حول كتمان الاستقالة وعدم إعلانها فما تعليقك؟
- يؤسفني أن يقول الدكتور يحيي هذا الكلام فهو يعلم اعتراضاتي ويوافقني عليها، ولم يحدث بينه وبيني أي اتفاق علي كتمان الاستقالة وأشعر بحزن شديد لهذا الكلام، فأنا انصرفت من الحزب يوم «الثلاثاء» في العاشرة مساءً وكنت قد أعلنت استقالتي قبلها دون أن أبرم أي اتفاق مع أحد، والدكتور يحيي نفسه فكر في الاستقالة من قبل وأنا أقنعته بالتراجع، فاختياره رئيساً للحزب جاء لأنه صاحب الفكرة وقد وضع قيداً علي نفسه أن تكون رئاسته مؤقتة. وبعض الأعضاء رأوا ضرورة تركه رئاسة الحزب قبل إعلان الجمعية التأسيسية، ووقتها فكر في الاستقالة ثم تراجع بعد إقناعي إياه.
* يحيي الجمل أعلن أنه سيقوم بزيارتك لمصالحتك بصحبة حازم الببلاوي وأسامة الغزالي وأنور السادات فما تعليقك؟
- أنا أقدر الدكتور يحيي الجمل والببلاوي وأنور السادات والدكتور أسامة الغزالي الذي تعرفت عليه لأول مرة في الحزب، ولكن المسألة ليست مصالحة فهناك أساسيات أنا معترض عليها، وما حدث من خلافات يمثل شرخاً لا يمكن تجاوزه. ولا يمكن عودة الأمور لما كانت عليه قبل ذلك.
ورأيي أن الاستقالة بها جانب إيجابي، فقد تحدث صدمة داخل الحزب تدفعهم للتخطيط إلي إعادته مرة أخري ووقتها سأكون أسعد شخص في الدنيا.
* هددت أكثر من مرة بالاستقالة حسبما قلت، فما الذي دفعك لحسم أمرك هذه المرة؟
- في كل مرة كانوا يقولون «هنطور. هنصلح» ولكن يبقي الأمر علي ما هو عليه، ومن ثم لا أستطيع أن أقنع أولادي أو زملائي بفكر الحزب والانضمام إليه وأنا نفسي غير مقتنع بما يحدث، فكيف سنصلح الأمور وكل واحد متقوقع في إطاره. وفشلنا في صنع قيادة جماعية تنزل للشارع. ومن يقول إن أمناء المحافظات لم يجتمعوا مع قيادات الحزب حتي الآن.
* إصرارك علي عدم فصل الدين عن السياسة دفع البعض للقول بوجود علاقة تربطك بالإخوان المسلمين؟
- هذا التفكير محزن جدًا. وقد وجه لي من قبل عندما قدمت وثيقة فكرية داخلية في الحزب بدأت فيها بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» واستشهدت فيها ببعض آيات القرآن فقالوا لي «خفف الجرعة الإسلامية شوية» وكأن الدين معارض للحداثة. وليس لي أي ارتباط بالإخوان.
* هل حزب الجبهة حزب عائلي؟
- لا . ولكن فيه استقطاب للعجائز من ناحية وللشباب من ناحية أخري، لدرجة أشعلت صراع أجيال «خايب» لأن الجيل الأصغر لم يعط نفسه الفرصة للتعمق في مفاهيم الجيل الأكبر، ويحاول دائمًا رفض آراء الكبار والسيطرة علي كل الأمور.
* هل قررت الانضمام إلي أحزاب أخري؟
- كل الاختيارات متاحة. ولكني أعيد التأمل والحسابات ولن أنعزل عن العمل العام وسوف أشارك وقد تلقيت دعوة من عزيز صدقي للانضمام للجبهة الوطنية للتغيير. كما تلقيت عروضا أخري من أماكن مختلفة.
* ما موقفك من التحالفات التي تقوم بين الأحزاب والمبادرة الأخيرة التي قام بها حزب الوفد؟
- نحن حضرنا الاجتماع مع حزب الوفد دون إعداد مسبق. علي عكس الوفد الذي استعد منذ فترة، وله رؤية وقراره خرج من الهيئة العليا، أما نحن «سايبين إيدينا» ولم نجتمع قبل اللقاء لنحدد ماذا سنقول للناس، وأنا أعترض علي هذا الأسلوب فأعضاء حزبنا لا يعرفون أننا سنجتمع مع حزب الوفد لأنه «مفيش مؤسسة». «حزب إيه ده» الذي لا يعرف أعضاؤه عنه أي شيء. فالموضوع يجب أن يأخذ مجراه المؤسسي.
0 comments :
إرسال تعليق