التوريث لن يمر , حوار مع الدكتور اسامة الغزالى حرب

حزب الجبهة الديمقراطى

أسامة الغزالى حرب:
التوريث لن يمر.. واستقالتي من الوطنى جاءت بالصدفة!

النظام فى مفترق طرق ، نتعرض لمراوغة إصلاح سياسى،
نعيش ركودا سياسياً ، هناك فريق داخل النظام يعطل الإصلاح،
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة

حوار: ماهر حسن - العربي 11 يونيو 2007

كان والد الدكتور أسامة الغزالى حرب معلما وشاعرا وفقيها ليبراليا وكان واسع الثقافة، ورغم أنه لم يكن واحداً من عناصر الإخوان كان محسوبا عليهم، كان هذا فى الوقت الذى تماهى فيه أسامة الغزالى حرب فى المشروع الناصرى منذ نعومة أظفاره، وزار بورسعيد طفلاً بعد العدوان الثلاثى، كما أنه لم ينس الكثير من الذكريات الناصرية المحفورة فى وجدانه، بما فى ذلك خطبه شكرى القوتلى وهو إلى جوار عبدالناصر فى شرفة أحد البنايات الدمشقية حينما تحشرج صوته وهو يعلق على الوحدة قائلاً هذا يوم مجيد وبكى أسامة وهو غلام فى غمرة الحماس واندهش والده لذلك وحينما حصل على شهادة القبول عام 1959 كان من المتفوقين، وكانت الدولة تعنى بهؤلاء المتفوقين وتلحقهم إما بفصول المتفوقين أو بمدارسهم فكان فى فصل المتفوقين أثناء الدراسة الثانوية بمدرسة التوفيقية.
وتفتح وعيه على ما عرف باسم الاشتراكية التعاونية آنذاك كان يلتقى بزملائه عند دوران شبرا ليتحدثوا فى السياسية وفى مقالات هيكل وفى الماركسية، وكان من زملائه أحمد يوسف أحمد بعد ذلك خاض معركة مع والده لاقناعه بالالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والتحق بها وكان عبدالقادر شهيب وأحمد يوسف وعثمان محمد عثمان فى نفس الدفعة واسموهم زملاؤهم رباعى شبرا، وفى الجامعة أصدروا مجلة الجيل السابع لأنهم كانوا الدفعة السابعة فى الكلية، وبعد دخولهم للكلية التحقوا بمنظمة الشباب التى كان أمينها الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وكان قد سبقهم للمنظمة الدكتور مصطفى الفقى الذى يسبقهم فى الدراسة وكان رئيسا لاتحاد الطلبة، الدكتور أسامة يؤكد أن جيله كان من أول من استفاد من منجزات الفترة الناصرية إلى أن حدثت النكسة التى ترتبط فى ذهنه بأغنية مصر التى فى خاطرى، لكنه لم يفقد إيمانه بالناصرية لكنه أصبح يخضع المسلمات الثورية للمناقشة وصولاً لقناعات سياسية قادته للماركسية ومن بعدها الليبرالية، وفى الجامعة خرج فى مظاهرات من الجامعة لمجلس الشعب وقابل ممثلين من هذه المظاهرة التى قادها أحمد بهاء الدين شعبان أنور السادات رئيس المجلس آنذاك اعتراضاً على الأحكام المخففة التى صدرت ضد قادة الطيران المصرى بسبب تقصيرهم الذى أدى إلى النكسة ثم سافر ضمن وفد من منظمة الشباب فى زيارة لروسيا وكان على رأس الوفد الدكتور مفيد شهاب، وعاد من روسيا ليعيد مراجعة أفكاره على ضوء مشاهداته هناك وحصل على البكالوريوس ودخل الجيش وبعد ما يزيد على سنتين قبض عليه فى عهد السادات وهو فى الجيش بزعم انتمائه لتنظيم شيوعى وفصل من الجيش هو وعبدالقادر شهيب على أية حال، فقد حصل الدكتور أسامة على درجتى الماجستير والدكتوراه من جامعة القاهرة.. وكان بعد تخرجه قد عمل لخمس سنوات فى الجهاز المركزى للمحاسبات وصحيفة الجمهورية إلى أن تم إقصاؤه منها فى عهد محسن محمد لأسباب أمنية ثم ترك الجهاز المركزى وانضم إلى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى الأهرام، تفاصيل أخرى من هذه المسيرة تعرفها فى هذا الحوار الذى تضمن شهادات على الماضى والحاضر أيضاً



- النظام كثيراً ما لوح ولمح وصرح عن الديمقراطية، ولكنها لم تتحقق؟
-- لقد كان السادات مناورا بما فيه الكفاية ليعلم مدى أهمية الديمقراطية فلم تكن مصادفة أن يبدأ عهده بالكلام عن دولة المؤسسات وسيادة القانون.. وما لبث أن أضاف إلى هذين التعبيرين تعبيراً جديداً هو دولة العلم والإيمان فيما ينطوى على مغازلة للتيارات الدينية وعلى رأسها الإخوان، وقد أراد أن يقدم نفسه بشرعية جديدة مبنية على الديمقراطية بشكل صريح، ونحن لا ننسى ذلك المشهد الدرامى له وهو يحرق الشرائط.. ويهدم المعتقلات ليؤكد أنه يسعى للديمقراطية وكأنما يؤكد على أن افتقاد الديمقراطية إذن فهى مسألة حاضرة فى ذهن النظام دائماً، غير ان كل هذا لم يحقق تحولا جادا فى النظام، المدهش أن السادات وصف نفسه وكأنه لم يكن ديمقراطيا دون أن يشعر حين وصف نفسه بأنه آخر الفراعنة، وقال إنه إن شاء الله من بعده سيكون هناك نظام ديمقراطى وهو لم يكن ينوى إقامة حياة ديمقراطية إنما كان يقول إنه يريد إرساء نظام ديمقراطى لمن سيأتى بعده، ومع ذلك فإن الملامح التى أراد إرساءها للديمقراطية لم يقدر لها أن تطبق فى عهده.

- ولكننا نذكر له بعض هذه الملامح فى النواة الأولى التى مثلت عودة للأحزاب والتى بدأها فى شكل منابر، ففى نوفمبر من عام 1976 وقف فى مجلس الشعب يطلب تحويل المنابر الثلاثة إلى أحزاب سياسية؟ فما الذى حدث؟
-- تحديدا بعد وقفته هذه بنحو أربعة أشهر انفجرت أحداث 18 و19 يناير من عام 1977م، الأمر الذى كان أشبه بضربة شاملة لهذا المشروع برمته، ودخل السادات فى مواجهة مع قوى سياسية كثيرة وبدأ يفكر منذ تلك اللحظة يفكر فى مسألة مختلفة تماماً وهى زيارة إسرائيل.

- وما دخل زيارة إسرائيل بمجريات المسألة الديمقراطية لدينا فى الداخل؟
-- لأنه اكتشف أو تصور أنه لكى يحل مشاكل مصر الاقتصادية لابد أن يفتح الطريق على مصراعيه وبلا أى عوائق أمام الولايات المتحدة الأمريكية ومن يفتح هذا الطريق ليس أمامه إلا التصالح مع إسرائيل، ومضى فى المشروع وعينه على أمريكا وليس إسرائيل حيث مصالحه وحيث تدفق رؤوس الأموال وحيث العلاقة بأمريكا مشروطة دائما بإسرائيل، ومع زيارته لإسرائيل تأثر المناخ السياسى كله فى مصر فيما يشبه الانتكاسة بفضل هذه الزيارة وقد تأثر تأثرا سلبيا حيث ساد جو التوتر على الرغم من النجاح الذى أحرزه السادات عالمياً وأمريكيا وانتهى الأمر بمصرعه إذن فالتجربة الديمقراطية لم تحظ بأى فرصة جادة وحقيقية فى عهد السادات وعزز هذا أن السادات لم يكن ديمقراطياً بالمعنى الحقيقى، فلم يتقبل أى نقد لمعاهدة الصلح مع إسرائيل وقد فرضها قسراً على الشعب والنخبة، واعتبر أى نقد لها نوعا من الخيانة بل والإهانة المباشرة له، وهذه روح ليست لها علاقة بالديمقراطية فتحطم المشروع الديمقراطى على صخرة كامب ديفيد ثم تحطم السادات نفسه.

- وماذا عن الديمقراطية فى عهد الرئيس مبارك؟
-- حينما جاء حسنى مبارك للسلطة تسلم نظاماً لم يكن له دخل فى صياغته فقد تسلم التركة جاهزة بكل عيوبها منذ الانفتاح الاقتصادى الفوضوى ومنذ الشكل الجنينى للأحزاب السياسة وبعد تشكل الملامح الأساسية للقوى السياسية وكل هذه التركة السيئة آلت إلى حسنى مبارك وكان المناخ العام بعد اغتيال السادات شديد التوتر فى مصر، وكان الهدف الأساسى لمبارك منذ البداية هو تحقيق الهدوء والاستقرار والاسترخاء وبالفعل استطاع أن يفعل هذا وكلنا لا ننسى مشهد استقباله للمعتقلين السياسيين فى القصر الجمهورى وكان هذا مشهدا ملفتا ان يخرج أناس من المعتقل إلى القصر الجمهورى مما كان ينذر بانفتاحة أكبر وتحول ديمقراطى حقيقى، كان هذا فى بداية الثمانينيات، وكانت هناك مشاكل متعلقة بوضع مصر بين أشقائها العرب الذين كانوا مايزالون على خصومة مع مصر بعد معاهدة كامب ديفيد، فانصرف جزء كبير من جهده لإعادة مصر إلى الصف العربى وتستطيع أن تقول ان أوائل فترة حكم مبارك كانت مكرسة فى هذا الاتجاه.. الذى انتهى بعودة الجامعة العربية إلى مصر، وفى كل هذه الفترة كانت مصر تمضى بالقصور الذاتى بناء على ما سبق، وكل هذا لم يصحبه تغيير سياسى جذرى فى الملامح الأساسية للنظام الذى كان فى حالة استرخاء سياسى عام للنظام يستهدف التهدئة وهذا يسرى على فترة مبارك الأولى من 1981 إلى 1987 ومن 1987 إلى عام 1992، وبالأخص حيث حدث الغزو العراقى للكويت عام 1990م ووقفت مصر موقفا حكيما واسقط ثلث ديون مصر، وحتى هذه الفترة أرى أن أداء مصر كان معقولاً.

- منذ متى بدأ التراجع؟
-- فى العشرين سنة الأخيرة ذلك أن عيوب النظام السلطوى لا تظهر على المدى القريب، ولكنها تتبدى بالتراكم على المدى البعيد لأن النظم اللاديمقراطية ترتب لجملة من الأوضاع الخاطئة والفاسدة وأنا اعتبر العشرين سنة الأخيرة من حكم مبارك ظرفاً موضوعياً لجنى الثمار المريرة للنظم اللاديمقراطية، ولأن الرئيس مبارك لم يكن يفكر فى الحكم أساساً أى أنه لم يكن يتصور أنه سيكون رئيساً لمصر فلم تكن لديه أجندة مسبقة لمعالجة عيوب الماضى وأحداث تغييرات جذرية فى النظام السلطوى اللاديمقراطى وكانت تغييراته هامشية وتدريجية أو متدرجة.

- ولكن أليس بقاؤه فى الحكم طيلة هذه العقود الثلاثة ألم يراكم المزيد، ويثقل التركة المثقلة أساساً ألم يؤسس هذا لمزيد من الركود السياسى الذى يستتبعه ركود على الجوانب الأخرى.
-- نعم نتيجة لطول هذه المدة واستمرار الأوضاع وبقاء النظام كما هو بدأت مصر قطعاً تعانى من مشاكل بدأت تتراكم شيئاً فشيئاً وأعتقد أنه فى العشرين سنة الأخيرة بدأت هذه المسألة تظهر بالتدريج وببطء حيث ما وصفته أنت بالركود إذ تحول الاستقرار إلى حالة من الركود مما نجم عنه الكثير من الآثار السلبية التى انعكست على جميع المجالات سواءً فى الاقتصاد أو التعليم أوالإسكان أو الرعاية الصحية أو قضايا البيئة وسوق العمل وجميع المشاكل التى تمس المواطن المصرى، فتجد مثلاً أن التعليم فى مصر من تعليم معقول جداً كلنا تلقيناه إلى أن أصبحت الدروس الخصوصية هى القاعدة أما الرعاية الصحية التى كانت متاحة للفقراء فى شكل علاج مجانى بدأت تتأثر بشدة إذ أصبح العلاج الجيد حكراً على القادرين، ومشاكل الإسكان برغم كل الجهود المبذولة فى سبيل حلها مازلنا نرى ملايين المصريين يسكنون فى ظروف معيشية بائسة فى عشش ومقابر رغم التقدم فى بعض جوانب البنية الأساسية مثل شبكات الطرق والموصلات والتليفونات ومترو الانفاق والموانئ والطفرة الإعلامية فى الميديا ولكن ذلك كان أقل مما يتطلبه نهوض مصر نهوضاً حقيقياً يتواءم مع العصر وهذا نتيجة ومحصلة لطبيعة النظام السياسى نفسه أعنى النظام السلطوى.

- لم تذكر مثالب أخرى لطول فترة بقاء النظام فهناك مراكز قوى جديدة، وهناك أفكار وشخصيات لم تتجدد.. وغير ذلك مثل غياب طائفة الصف الثانى الناقلة للخبرات؟
-- نعم تكونت مراكز قوى، ومصالح مكتسبة لنخبة ممن يحيطون بالنظام، وهذا انعكس على الحياة العامة فى مصر وانعكس على الأداء والحضور المصرى فى الخارج، بما فى ذلك تراجع الدور المصرى الفاعل فى المحيطين العربى والدولى.

- فى بداية السبعينيات نشرت جريدة السفير اللبنانية خبراً يقول: بأنه تم ضبط تنظيم شيوعى فى القاهرة وكان اسمك مكتوبا كأحد الكوادر التابعة لهذا التنظيم فما تفاصيل هذه القصة؟
-- نعم هذا بالضبط ما حدث وقد قالت الصحيفة تم ضبط تنظيم قومى يهدف لقلب نظام الحكم وله فرع فى القوات المسلحة وهذا الفرع الذى تحدثت عنه الصحيفة لم يكن سواى واثنين من زملائى هما عبدالقادر شهيب، والثالث لا أذكره ولما قرأ.. الوزير محمد صادق هذا قال: تنظيم عسكرى سرى إيه طلعوهم من الجيش وخلاص وفعلاً انهيت خدمتنا العسكرية فى ساعتين حتى انهم لم يتسلموا المخلة وتركوها فى البيت، وجاء حينها أحد الحراس للحبس الانفرادى وطلب منى كتابة خطاب لأبى أطلب منه ملابس مدنية وذهبوا لمنزلى واحضروا لى الملابس وتسلموا منى الزى العسكرى، ونقلونا على سجن القلعة ووصلنا لأمن الدولة فى لاظوغلى قبل الوصول لسجن القلعة والحارس الذى معنا لم يجد من يسلمنا له حيث كان الضباط فى منازلهم عصراً فسلمنا لعامل التحويلة وكان معى عبدالقادر شهيب وذهبنا لسجن القلعة الإسطورى، وهو سجن رهيب فعلاً يشبه سجون المماليك، وظللت هناك لخمسة أيام وأفرج عنى لاكتشاف عدم ضلوعى فى التنظيم، ولما خرجت ذهبت لعملى فى الجهاز المركزى للمحاسبات.

- ولكن على حد علمى أنك فى هذا العام ذهبت للعمل صحفيا فى الجمهورية؟
-- كان والدى يريد لى العمل فى السلك الدبلوماسى فيما كنت أتطلع للكتابة للصحافة واقنعنى أن اتلقى دروسا فى اللغة الفرنسية للالتحاق بالسلك الدبلوماسى وبعد حوالى أربعة دروس قبض على فى المرة إياها وأنا فى الجيش، وقلت لأبى إنه مادام قبض على فلم يعد هناك أمل للعمل فى السلك الدبلوماسى، فقال: اعمل اللى أنت عايزه وكان والدى صديقا لسعد زايد فتوسط لى عنده لأعمل فى الأهرام فقال له زايد ان بينه وبين هيكل ما صنع الحداد وعرض عليه أن يجد لى فرصة فى الجمهورية وحين خرجت من الجيش وحصلت على شهادة إنهاء الخدمة كان مكتوبا عليها عبارة انهيت خدمته لأسباب أمنية ذهبت للجمهورية وانضممت لقسم الأبحاث الذى كان مسئولا عنه فتحى عبدالفتاح، الذى كان أول رئيس لى فى الصحافة وعملت معه وكان معى عبدالقادر شهيب وهناك تقابلت مع حسين عبدالرازق وفريدة النقاش وأمينة النقاش وصلاح عيسى وبدوى محمود وكمال القلش، ومحمد الحيوان الذى كان يسمى هذا القسم مركز الثقافة السوفيتى وكنت أذهب لعملى فى الجهاز المركزى للمحاسبات صباحا وفى المساء أذهب لعملى فى الجمهورية، ووزع علينا فتحى عبدالفتاح المسئوليات ونوبات العمل.

- وماذا عن قصة انتقالك إلى الأهرام؟
-- لقد عملت طيلة خمس سنوات فى الجهاز المركزى بفضل معاملة رئيس هناك عادل حسن الذى تبنانى، وجعلنى مرافقاً له فى كل أعماله حتى فى اجتماعاته وتعلمت منه الكثير، وحين نقلت تبعية الجهاز المركزى من رئاسة الجمهورية لمجلس الشعب طلب منى وأنا موظف درجة سابعة أن أضع مذكرة وهذا كان تعبيرا عن ثقته فى كما صحبنى معه إلى باريس فى مؤتمر دولى للمحاسبات وفى يناير عام 1975م فى مصر حدثت مظاهرات فى مصر لأول مرة بعد حرب أكتوبر ضد السادات واعتبر أن هذه مؤامرة حيكت ضده من الشيوعيين وتم القبض على أى شخص أحاطت به شبهات يسارية أو شيوعية فتم القبض على كل من فى مركز الأبحاث فى الجمهورية وكنت من بينهم، ما عدا فتحى عبدالفتاح وكانت علاقتى قائمة بزكى مراد زعيم الشيوعيين فى مصر آنذاك وكان قد تعرف على مبكرا وكان يتمنى أن انضم لهذا الحزب وكنت ألتقيه فى كازينو المعمورة، على شاطئ النيل على مقربة من المنيل، بجوار مستشفى القصر العينى وكان يأتى مرهقا إذ كان يقفز من أتوبيس لآخر ليراوغ المخبرين، ومن يناير 1975 إلى يونيو 1975 دخلت أحد المعتقلات، وكانوا بعد أسبوعين من اعتقالنا قد حققوا معنا فى نيابة أمن الدولة فى شارع زكى المتفرع من شارع رمسيس، وفى الطريق من المعتقل إلى أمن الدولة كان المعتقلون معنا فى سيارة الترحيلات يغنون قائلين جاجارين.. جاجارين وتساءلت ما علاقة رائد الفضاء السوفيتى بما نحن فيه فى القاهرة وبالشعب المصرى الذى نناضل من أجله؟! فرد على زعيمهم قائد الحركة العمالية من الشيوعيين وكان رجلا عجوزا رد على قائلا: يا أسامة الصواب هو ما يقوله الاتحاد السوفيتى والخطأ هو ما يرفضه الاتحاد السوفيتى، وكان اسمه محمد على الزهار وكان معروفا فى سجون الشيوعيين باسم شيخ العرب المهم أننى خرجت من السجن وتوجهت للجهاز المركزى للمحاسبات ثم الجمهورية لاستأنف عملى فى كليهما، فاستقبلنى عادل حسن فى الجهاز بترحاب وقال انس الموضوع واعتبره موقفا عابرا واستأنف عملك متحدياً فى ذلك كل من رفضوا عودتى أما فى الجمهورية فقد ذهبت وقلت لفتحى عبدالفتاح: إن ورقة تعيينى فى الجمهورية كانت على مكتب مصطفى بهجت بدوى قبل اعتقالى، لكن مصطفى بهجت كان قد مضى وجاء محسن محمد ودخلت له وهو رئيس مجلس الإدارة، وقبل أن أتكلم قال: يا أسامة أنا قرأت ما تكتب وأنت شاب ممتاز وصحفى وكاتب موهوب وما حدش قال عليك حاجة لكن أنا جيت هذا المكان لكى أمنع تعيين من لهم توجهاتك وأنت ليس لك مكان فى الجمهورية فاسودت الدنيا فى عينى حيث كانت الجمهورية قلعة اليسار المصرى وقبلة الكتاب ومن يومها لم أدخل الجمهورية طيلة عشرين عاماً.. وقلت لنفسى كويس إنه حسم الموضوع ولم يراوغ وكنت قد قابلته قبل أشهر من الآن وأنكر هذا الموقف المهم اننى خرجت من الجمهورية فى النصف الثالث من عام 1975م، وتفرغت لرسالة الماجستير التى كنت قد سجلتها وأنا فى الجيش تحت رعاية رائد من رواد العلوم السياسية وهو الدكتور حامد ربيع رحمة الله عليه ونصحنى الدكتور بطرس غالى بأن ابتعد فى اختيار موضوع الرسالة عن مصر تجنبا للمشاكل وكان أستاذاً للعلوم السياسية فاخترت دراسة فى مفهوم الثورات وطبقتها على التجربة الفيتنامية وفى منتصف 1976 كلمنى أصدقائى الذين بدأوا العمل فى الأهرام فى مركز الدراسات مع الأستاذ السيد يا سين حيث بدأ يعاد تشكيله بعد خروج هيكل من الأهرام، فاتصل بى على الدين هلال وعبدالمنعم سعيد ومحمد السيد سعيد، وكانوا يعملون فى المركز ودعونى لأنضم إليهم واشتغلت معهم بارت تايم إلى أن عرضوا على التعيين وتم تعيينى هناك فى أول مايو عام 1977م، يعنى منذ ثلاثين عاما وكان أصعب موقف قابلته حينما ذهبت للجهاز المركزى اعتذر لعادل حسن الذى عرض على البقاء وتنبأ لى بمستقبل جيد لكننى لم أكن متحمسا لأننى لم أكن محاسبا وانتقلت للعمل بمركز الدراسات السياسية فى الأهرام، وأنجزت كتابى الأول قبل تعيينى وكان بعنوان الاستراتيجية الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية وكان حظ هذا الكتاب سيئاً إذ صدر بعد ذهاب السادات لإسرائيل ثم حصلت على الماجستير فى أواخر 1978م، وأنا فى الأهرام وسنة 1979 تزوجت من السيدة ميرفت حمزة شقيقة ممدوح حمزة.

- وماذا عن الدكتوراه أعلم أنه كان من المقرر لك أن تحصل عليها من أمريكا من جامعة نورث كارولينا فكيف تغير المسار؟
-- نعم كان مقررا أن يحدث هذا فقررت أن أتزوج قبل السفر وتزوجت لكن مشكلتى أننى لا أميل للبعد عن مصر، فى هذا الوقت كان عبدالمنعم سعيد ومحمد السيد سعيد قد سافرا لأمريكا وحصلت على الماجستير عام 1978 وبعد ذلك سجلت للحصول على الدكتوراه حول الأحزاب فى العالم الثالث، مصر نموذجاً، ولم أنشر سوى الجزء النظرى من هذه الرسالة، وحصلت على الدكتوراه عام 1985م، وفى الاعداد لهذه الدكتوراة قرأت كمية من القراءات الكافية لإنجاز عشر رسائل دكتوراة لأننى اعتبرت نفسى فى فترة مراجعات شاملة لقناعاتى السياسية فكانت النتيجة أن تحولت من الماركسية إلى الليبرالية.
وقد جاءت هذه القناعات متزامنة تماماً مع التحلل الذى لحق بالاتحاد السوفيتى وأذكر أننى قلت لوالدى: أخيرا لقد وصلت لما كنت تقوله لى وأنا الآن أبلغ من العمر أربعين عاماً فقال لى لا تندهش فهذا سن النبوة وهو سن تحمل المسئولية.
كان مركز الدراسات فى الأهرام آنذاك معروفا عنه أنه مركز اشتراكى قومى، وأنا جزء منه فلما ذهبت للسيد ياسين وطلبت منه أن أكتب مقالا عن ضرورة تحول مصر من الاشتراكية إلى الليبرالية والرأسمالية فقال لى: أنت اتجننت يا أسامة وكتبت مقالاً نشر تقريبا فى يناير 1988م فلما قرأها زعل منى وكان هذا المقال يقع فى ثلاث حلقات واعتبر السيد ياسين المقال عارا على المركز لكنه كان ديمقراطيا ولم يحذف كلمة من المقال، وكان من المؤمنين معى بما كتبتهُ الدكتور عبدالمنعم سعيد رغم أنه سافر إلى أمريكا وهو تروتسكى وعاد من هناك متغيرا بمائة وثمانين درجة ودخلنا أنا وهو فى مناقشات كثيرة حيوية ومثمرة.

- وماذا عن ملابسات وصولك مديراً لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية؟
-- ما بين عامى 1989 و1991م حدثت صدفتان فقد تلقى السيد ياسين عرضا ليكون مديرا لمنتدى الفكر العربى فى عمان بالأردن فكان لابد أن يخلفه أحد فى إدارة المركز أنا أو د. عبدالمنعم سعيد، فاستقر الأمر لى وسافر عبدالمنعم سعيد للعمل فى قطر، ووقع الغزو العراقى للكويت فكانت هذه فرصة حقيقية للمركز ككيان بحثى حقيقى ومتخصص يمثل مصر وانجزنا نحو تسعين ورقة بحثية لرئاسة الجمهورية بعد قيام الحرب بست ساعات وكان أداء المركز فيها ممتازا، وانعكس هذا على موقف مصر من هذا الغزو، وكان موقفاً متزنا جدا وفى هذه الفترة وقعت المصادفة الثانية أن اختير الدكتور بطرس غالى أمينا عاما للأمم المتحدة، وكان لابد أن يخلفه أحد على رئاسة تحرير مجلة السياسة الدولية وجاء بطرس غالى مصر لمدة يومين فحضر للأهرام لمدة ساعة وقدم استقالته من رئاسة تحرير مجلة السياسة الدولية، ومن مناصبه فى الأهرام وطلب من إبراهيم نافع تعيينى رئيسا لتحرير المجلة.
فوجدت نفسى جامعا بين منصبى مدير المركز ورئيس تحرير المجلة، وفى هذا العام انتخبت رئيسا للجمعية العربية للعلوم السياسية التى شكلت سنة 1985 وكان رئيسها على الدين هلال وأنا خلفته عليها لدرجة أنه علق قائلاً: أنت ورثتنى أنا وبطرس غالى والسيد ياسين فى نفس الوقت لكننى فضلت ان اخفف من هذه المسئوليات ومع عودة الدكتور عبدالمنعم سعيد تخليت عن رئاسة المركز، ثم انضربت الجمعية العربية مع الغزو العراقى.

- وماذا عن انضمامك للجنة السياسات بالحزب الوطنى؟
-- ما بين عامى 1993 و1994 كانت هناك دعوة لما اصطلح على تسميته بالحوار الوطنى وذهبت للمشاركة ممثلاً للمركز واعتقد أن هذه المشاركة أسهمت فى معرفة الآخرين لى، وفى عام 1995م صدر قرار بتعيينى عضوا فى مجلس الشورى واعتقد أن الذى حمانى من أن تخسف بى الأرض هو الرئيس مبارك رغم أننى لم أكن انتمى للحزب الوطنى وكنت مستقلا وحريصا على احترام علاقتى بالناس مهما كان المناخ وحش.

- دخولك مجلس الشورى، فتح لك بوابات المجالس الأخرى مثل المجلس الأعلى للصحافة، والمجلس القومى للمرأة، والمجالس القومية المتخصصة يذكر أن دخولك لمجلس الشورى لأول مرة كان محل عضو آخر توفى وهو جلال أبوالدهب وزير التموين؟
-- نعم وكانت هذه نصف مدة من 95 إلى 1998م، وفى 1998 تجدد تعيينى لمدة كاملة انتهت فى 2004، ثم فترة 2004م إلى 2010م، وبالفعل كان التحاقى بمجلس الشورى إيذاناً بالدخول المجالس التى ذكرتها.

- بعد كل هذا قلبت المائدة على الحزب الوطنى؟
-- والله جاءت بالصدفة، واعتقد ان ما خدمنى اننى لم أخطيء فى حق أحد وأتجنب خلق عداوات.

- لكن ما ملابسات انضمامك للحزب الوطنى؟
-- حدث مع انضمامى للمجلس الأعلى للسياسات باتصال مباشر من جمال مبارك إذ كنت أعرفه قبل ذلك بخمس سنوات من خلال الدكتور أسامة الباز فهو الذى عرفنى عليه فى ظروف وملابسات أفخر بها، حينما كان جمال مبارك مهتما بإنشاء ما يسمى بمركز التوثيق التاريخى الذى يضم الفترة من 1952 وإلى الآن كل الخطب والبيانات والتصريحات والصور الفوتوغرافية والأفلام السينماية والتليفزيونية والوثائقية وكل الأحداث السياسية المتعلقة برؤساء الجمهورية منذ قيام الثورة وإلى الآن وطلب منى الدكتور أسامة أن أتعاون معهم فى هذا المشروع وكانت تعقد اجتماعات مهمة فى هذا السياق وخلال هذه الاجتماعات تعرفت على جمال مبارك وهذا المشروع اعتبره عملاً مهماً جداً فى انقاذ مئات الألوف من الوثائق المقروءة والمرئية والمسموعة، والأفلام والوثائقية، واعتقد أن الفكرة راودت جمال مبارك حينما زار أمريكا ورأى المكتبات الرئاسية هناك.

- ما تفسيرك لما تم من ازاحة سياسية لكمال الشاذلى وفقدانه لبريقه البرلمانى وأن يبعث به إلى منصب رئيس المجالس القومية المتخصصة؟
-- هو أزيح فعلا فى سياق صراع قوى سياسية وهو صراع كلاسيكى يحدث فى كل الدنيا واعتقد أنه صراع بين فريقين الأول ينتمى للحرس القديم والثانى ينتمى للجيل الجديد فى الحزب وهو صراع ليس حول اختلاف توجهات كتوجه قديم وآخر جديد فلسنا بصدد توجه جديد عموماً وإنما هو صراع جيلى بحكم اختلاف الأعمار والحرس الجديد ليس دلالة على فكرة جديدة بالضرورة أو عملية إصلاح جذرية فى النظام، وأنا اتفق معك فى أن ما حدث للشاذلى هو إزاحة سياسية فهذا ليس مكانه.

- وكيف تقيم أداء المجالس القومية المتخصصة؟
-- اعتقد أن الأداء فى بعض الحالات معقول لكن المشكلة الأساسية لهذه المجالس القومية المتخصصة أنه لا يستفاد بها تطبيقيا على الإطلاق، واعتقد أن كفاءة أى حكم مرتبطة بالاستفادة من كل الخبرات ووضعها موضع التنفيذ والتوظيف فى السياسات العامة لكن لدينا فى مصر انفصال كبير بين البحث والدراسة واتخاذ القرار، وأنا أرى كمال الشاذلى من أقدم السياسيين فى مصر.

- هل بقاء على الدين هلال ومفيد شهاب وفتحى سرور وكمال الشاذلى وصفوت الشريف وحسين كامل بهاء الدين قريبين من النظام وداخل النظام على مدى عهود ثلاثة هل يفسر هذا البقاء معنى الولاء للأنظمة والتعايش معها واللعب بأوراقها أم أنهم أصيبوا بما يمكن تسميته شهوة البقاء فى السلطة أم أنه منطق المصالح؟
-- هم يرون أن خدمة هذا الجهاز البيروقراطى الأمنى هو خدمة لمصر وطول فترة بقائهم فى هذا الجهاز ربطت بين مواقعهم ومصالحهم وشهوة البقاء فى السلطة نتيجة منطقية لطول مدة البقاء فيها ولاشك فى التعبير القائل إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وطول البقاء فى سلطة فى حد ذاته مشكلة.

- وهل تنطبق هذه القاعدة على الرئيس مبارك؟
-- فترة صمت.. طبعاً

- إلى أى حد؟
-- سيؤدى بالضرورة إلى نتائج سلبية.

- ولماذا بقى طول هذه الفترة، ألا يوجد فى مصر كلها من هو مؤهل لشغل هذا المنصب الرفيع؟
-- لأن حسنى مبارك ورث هذا النظام على هذا النحو.

- ولماذا لم يصححه إذا كانت هناك نوايا إصلاح سياسى حقيقى؟
-- هو ورث السلطة فى نظام لا يعترف بتداول السلطة إلا بموت الرئيس أو خلعه، والأمر ينطبق على كل من سبقوه.

- ولكن مقتضيات الإصلاح الذ ى دعا إليه تستوجب مخالفته لهذه القاعدة؟ هل تبرر بقاءه طول هذه الفترة؟
-- هناك فرق بين التبرير والتفسير وأنت تقول لماذا.. وحينما وصل مبارك للحكم لم يكن يفكر فيه وعندما وجد نفسه فى السلطة مارسها بالطريقة التى وصلت إليه بها، فهو لم يشاهد من اعتزل الحكم قبله وهو على قيد الحياة.

- هل بالضرورة يجب أن يرى، لكى يدشن لعرف سياسى جديد وهو بصدد دعوة إصلاحية؟
-- هذه هى التجربة التى عاصرها وهذه آلية وليست المشكلة فى عهد عبدالناصر أو السادات أو مبارك وإنما هى آليات نظام حكم فى مصر ولا يمكننى أن اعتبر حسنى مبارك مسئولاً عن كل ما حدث، إنما هو جزء من نظام وجد نفسه فيه.

- لكن هذا أصاب البلد بالشيخوخة والشلل؟
-- مفيش نقاش طبعاً أصابها بالشيخوخة، ولا أنكر أننا كنا نتمنى أن تكون هناك مبادرة تاريخية من مبارك لمفارقة هذه الآلية وهذا الوضع إنما هو يكرر نمطاً سابقاً هذا هيكل نظام سلطوى فى مصر لا يسمح بتداول السلطة فهذا ليس من مفرداته.

- معنى هذا أن مبادرة تعديل المادة 76 كانت مبادرة شكلية؟
-- حتى رغم هذه المبادرة لم تحدث انفراجة إصلاحية حقيقية سيظل يحكم مدى الحياة رغم مبادرة تعديل المادة 76 ونحن نعيش استمرار النظام السلطوى أكثر من أى فترة سابقة بسبب طول المدة وتحول الأمر من الاستقرار السياسى إلى الركود السياسى.

- هل طول فترة بقاء الرئيس وبقاء رموز بعينها فى هذا النظام شجع على تنامى وتزايد الفساد؟
-- قطعا لاشك فى هذا وهذا يحدث مع غياب التجدد والتغيير.

- لقد احتفيت فى كتاباتك بمبادرة الرئيس لتعديل المادة 76 وكتبت ثلاث مقالات متوالية تحتفى بها؟
-- لقد تصورت أنها مبادرة جادة وبدأت أدرك من ردود الفعل على هذه المقالات أننا بصدد صراع سياسى حقيقى فى مصر بين من يرغبون فى التغيير وبين من يقاومون التغيير ثم كتبت عن التعديل ووجدت أحد رؤساء تحرير الصحف القومية يهاجم هذه المقالات، وعندما عرض فى مجلس الشورى اكتشفت أن التعديل لن يؤدى للغرض المطلوب وحين اعترضت على المادة بدأ الهجوم المتصاعد على، وبعد انتهاء انتخابات الرئاسة والانتخابات البرلمانية دفعت باستقالتى إلى صفوت الشريف وأرسلت خطابا لجمال مبارك.

- هل المراوغة البادية فى أسلوب التعديلات الدستورية وفى الإصلاح السياسى تؤكد أن الإصلاح كلامى فقط وقد جاءت مخيبة للآمال؟
-- أعتقد هذا، وهناك مرواغة فى الإصلاح السياسى.

- من يدير لجنة السياسات جمال مبارك أم المحيطون به؟
-- جمال والمجموعة المحيطة به مثل أحمد عز وعلى الدين هلال ومحمد كمال وتلك المجموعة الضيقة.

- ما الذى يريدونه صراحة.. نريد منك شهادة للتاريخ، واعتقد أن ضميرك الوطنى يحتم عليكم الادلاء بشهادة حق؟
-- اسمع ما تبقاش لئيم أنا ساكت عشان بفكر لكى أصيغ الكلام بشكل كويس، وأقول لك انهم متصورون أن الأوضاع فى مصر سوف تؤول إلى جمال مبارك.

- وسوف تؤول؟
-- أنا لا اعتقد.

- كل الشواهد تقول بقدومه وكل الممارسات تكرس لهذا؟
-- هذا رأيك أنت.

- ألم تكن فى المطبخ ورأيت بنفسك بعضا مما أزعم أنا.
-- أنا كنت واقفا فى الطرقة... مطبخ إيه يا جدع؟!! أنا أميل لما يعلن رسميا أنه لا توجد نية ولا سيناريو للتوريث ومع ذلك اعتقد أن هناك من يسعون لتحقيق سيناريو التوريث ويسعون بدأب فى هذا الاتجاه واعتقد أن هذه المساعى ستخيب ولن يأتى جمال مبارك رئيساً لمصر لا بالتوريث ولا بالانتخاب التوريثى.

- فى صحيفة الشرق الأوسط قرأنا مقالاً لعبداللطيف المناوى بعنوان فئران السفينة يهاجمك فيه، على مقالاتك فى الأهرام فما قصة هذا الهجوم؟
-- المناوى كان صديقى وأنا فوجئت بهذا المقال الذى وصفنى بالانقلاب على السلطة والفرار من السفينة الموشكة على الغرق، وكان هذا المقال ردا على مقالاتى الثلاثة فى الأهرام وفى أعقاب استقالتى.

- هل تذكر يوم عارضت طريقة تعديل المادة 76 فى مجلس الشورى.
-- نعم.. أذكر أن ذلك اليوم كان يوما غريبا جدا بالنسبة لى، وكنت وطنت النفس على أن الكثير من المشاكل ستستتبع رفضى للطريقة التى عدلت بها المادة 76، وأذكر أن ابنتى اصطحبتنى فى سيارتى وهى فى طريقها إلى الجامعة الأمريكية، وبالطبع مررت على مجلس الشورى فوجدتنى أقول للسائق فى ذلك اليوم الذى كان مقررا فيه أن يناقش تعديل المادة 76 وكان من المقرر أن احضر للتصويت على التعديل، فلما وجدتنى أقول للسائق خش يمين متجاوزا مجلس الشورى وبعدما تجاوزته لم أسامح نفسى، وقلت كيف اتجاوز الأمر ساعة الجد وسرعان ما قلت لسائقى، لف تانى وذهبت لمجلس الشورى لأحضر جلسة التصويت على هذه المادة.

- ولكن آلية التصويت فى مجلس الشورى ليست على طريقة موافقون التى يعمل بها سيد قراره أعنى مجلس الشعب فهم ينادون اسما اسما وهذا يتطلب شجاعة مضافة؟ فكيف تم الأمر؟
-- كان رئيس المجلس ينادى عضوا عضوا باسمه وأخذت الموافقة طابعاً روتينيا وكنت جالساً فى مقدمة الصفوف وحينما نودى على وجدتى واقفا وأنا أقول لا أنا ضد التعديل فبهت الكثيرون.

- هل نعيش مرحلة مخاض؟ ينذر بعهد جديد؟
-- نعم هى مرحلة مخاض طبعاً لكن لا أحد يستطيع أن يقطع متى بالتحديد، غير أنه لا مفر من حدوثه.

- لابد أن تكون له ضريبة فما هى ضريبة التحول؟
-- طبعاً لكل شيء ثمن.

- الدور الأقليمى لمصر فى محيطها العربى أصبح مخيباً للآمال فلم نر موقفا قويا وواضحا وفاعلا فى أى من البقع المتفجرة فى الوطن العربى سواء فى العراق أو فلسطين أو السودان أو لبنان ولم نعد نسمع سوى عبارة مصر تراقب بقلق بالغ و مصر تعترض على كذا؟ ما تقييمك للدور المصرى؟
-- ها اقولك حاجة فليس من قبيل المبالغة وأقول لك رأيى الشخصى أننى اعتقد أن غياب دور مصر هو القاسم المشترك فى كل هذه المشاكل، واعتقد أن مصر بحكم الطبيعة بلد ذو رسالة ودور وهذا ليس نوعا من الشوفونية والمبالغة، فلمصر وضعية تاريخية وسياسية خاصة فهى أقدم دولة، وهى الكيان السياسى الوحيد فى العالم الموجود فى القرآن والإنجيل والتوراه، فلا تجد أمريكا مثلاً، ومصر لها ثقل ثقافى وبشرى لا يمكن الاستهانة به، وبالتالى فإننى أعتقد أن دور مصر جزء أساسى من حيوية وقوة مصر الداخلية أيضاً وحينما نطالب بأن تكون مصر ديمقراطية فهذا معناه أننا نطالب بأن تكون مصر قوية، وأن تستعيد دورها، لن تكون مصر قوية خارج حدودها إلا إذا كانت قوية داخل هذه الحدود.

- ومتى ستكون مصر ديمقراطية؟
-- لما حزب الجبهة الديمقراطية يحكم..يضحك

- جعلت شعار حزبكم هذا هو نفسه شعار الثورة الفرنسية المساواة والحرية والعدالة فما دلالة هذا أذكر أيضا انكم استبدلتم كلمة المساواة بكلمة دولة مدنية؟
-- لأن دولة مدنية تنطبق على مصر وتطلعاتها.

- من هم أبرز الشخصيات المنضمة للحزب؟
-- الدكتور يحيى الجمل والدكتور على السلمى والدكتور حازم الببلاوى والدكتور محمد غنيم بتاع المنصورة، والأستاذ أسامة أنور عكاشة والدكتور مصطفى كمال طلبة، والأستاذة سكينة فؤاد، والدكتورة سلوى سليمان والسفير رءوف غنيم.. وغيرهم ممن اعتذر لهم عن نسيان لأسمائهم.
واستفدنا من خبرات خارج الحزب لصياغة برنامجه فاستعنا بالمهندس حسب الله الكفراوى فى برنامج الإسكان وفى الصحة الدكتور سمير فياض وفى التعليم استعنا بشيخ التربويين حامد عمار.

- من سيكون الأمين العام؟
-- وجه غير شهير فى الحياة السياسية وهو الأستاذ خالد قنديل

- والرئيس ونائبه؟
-- سيكون الدكتور يحيى الجمل هو الرئيس وأنا النائب الأول، وقد يكون بين النواب أيضا الدكتور حازم الببلاوى والدكتور على السلمى وأنور عصمت السادات.

- الأوضاع المتردية إلى أين ستقودنا؟ وكيف توصف المرحلة الراهنة التى تعيشها مصر؟
-- مصر الآن تعيش مرحلة تحول وكل الدلائل تثبت أن النظام السلطوى القديم فى مفترق طرق ان لم يكن قد بلغ بداية النهاية ولابد أن يتغير وكلما كنا جادين فى التغيير والتحول من الداخل، كلما وفرنا الكثير على الشعب المصرى، وإنما إذا فرض على مصر هذا التغيير فإنها ستدفع الثمن باهظا وسيقودها إلى أوضاع متفجرة لا يعملم مداها أحد.

- الحزب الوطنى إلى أين سيؤدى بنفسه وسيؤدى بمصر، انت مش شايف إن هذا الحزب هو اس الفساد كله؟ أنا أشعر أن هذا الحزب يعتبر نفسه هو مصر، والباقين ليسوا مصر وهايودى مصر فى داهية؟
-- يضحك.. قائلاً: أقولك تقول ايه؟! ما هو وداها فعلاً.. واللى كان كان وخلاص؟

- ولا سبيل للإصلاح؟
-- لا طبعا لابد أن يكون هناك سبيل للإصلاح.

0 comments :

إرسال تعليق