الطاعة المطلقة...!

الوفد

أنور عصمت السادات

قد يحسبها البعض مصيبة وكارثة أن تنفذ التعديلات الدستورية رغم أنف الأغلبية الساحقة.. غير الممثلة فى مجلسى الشعب والشورى.. والتى صمتت وفضلت السكوت على الكلام.. وقدر حجمها وعددها بحوالى 77% ممن لهم حق ابداء الرأى والتصويت.. أقول انها ليست كذلك.. فمجرد تنفيذ تلك المسرحية التي كتبها ولحن موسيقاها الحزب الوطنى.. سيفيق هؤلاء الصامتون بعد اسدال الستار وانتهاء عرض المسرحية وبالقطع لن يصفق للممثلين سوى هؤلاء المستفيدين والانتهازيين وصيادى الفرص وستخلق حالة من عدم الرضا العلنى وستسقط تلك الملهاة والمسرحية الكوميدية الهابطة فى أول عرض لها!.
وبانتهاء هذا العرض سيفيق الكثيرون من أبناء الشعب المتفرجون والمشاهدين من نومهم ومن عدم المبالاة وسيكون السؤال الذى سيخطر على بالهم.. هو لماذا لا أكون أنا رئيس الجمهورية؟! ولماذا لا أكون أنا رئيس حزب غير هؤلاء.. لقد مللنا منهم.. وقد آن الأوان أن نتبادل الأماكن والكراسى.. أسئلة وخواطر سوف تمر على الكثيرين.. بعد أن تنفذ الحكومة والحزب فصول المسرحية الهزلية.. تعديل شوية مواد من الدستور نصفها لا خلاف عليه.. والنصف الآخر لصالح الفئة الحاكمة والمبشرين بالسلطة والحكم والمراكز العليا..
لقد خلق موضوع التعديلات الدستورية أجواء من الحركة الديناميكية بين الشباب وبين المفكرين والصحفيين وكافة فئات الشعب تلك الروح الجديدة التى سرت فى الشعب من جراء احداث تعديل فى دستور.. وفى كتاب قانون «كان مهملا فوق رفوف المكتبات.. ويعلوه التراب.. وكان من قصص وحكايات وذكريات التاريخ السياسى.. أيام الملك وحزب الوفد والانجليز وقصر عابدين.. الى آخره من تراث شعبى تاريخى.. ولا أكثر من ذلك».. الى أن وجدنا أنفسنا أمام مهمة احياء هذا الكتاب ومسح وإزالة التراب من فوقه.. وأمل جديد فى تفعيل مواد هذا الكتاب.. وتعديل ما عفى عليه الزمن واضافة مواد مستحدثة تتماشى مع روح العصر.. وهى مهمة ليست بالسهلة.. وليست هينة.. فى سجل تاريخ العمل السياسى.. ويكفى أن ندلل على أن دستور 1923 مازال أمام أعيننا ونتذكر الأحداث التى جرت حوله ونتذكر معه القانونيين والنواب الذين اشتركوا فى صياغات مواد الدستور المصرى الى اليوم.. ولم تكن ابدا عملية مظهرية وتمثيلية هزلية لرضاء حكام.. رب ضارة نافعة.. ان يتمادى هؤلاء فى تمثيل المسرحية استخفافا بعقلية المواطن المصرى.. وتهميش دور أبناء البلد الحقيقيين.. وإلهاء الشعب فى بعض سطور ومواد من دستور 1971 التى كانت حاكمة فى وقتها وهامة وأساسية ـ مرحلة ما أطلق عليها وقتها التحول الاشتراكى والمطالبة بالغاء تلك المواد.. وهى بالفعل ملغاة من قاموس التعامل مع الدستور.. اذا كان هناك تعامل معه اصلا..!! ومواد أخرى موجودة بالدستور تؤكد على مساواة وحقوق الحريات الشخصية «لا خلاف عليها والكل يعتبرها درة فى جبين دستور 71» يضعها أساتذة التأليف والتلحين الموسيقى من المواد المراد تغييرها!! «المادة 41 والمادة 42 والمادة 45» وللتذكرة أنقلها كما هى:
المادة 41.
الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لاتمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل الا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطى.
المادة 42
كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأى قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الانسان ولا يجوز ايذاؤه بدنيا أو معنويا كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شئ مما تقدم أو التهديد بشئ منه يهدر ولا يعول عليه.
المادة 45.
لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها الا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة وفقا لأحكام القانون.
هل تلك المواد تحتاج الى تعديل؟ بالله عليكم.. اليس هذا مضيعة للوقت واستهتاراً بالعقول المصرية؟؟!! تركوا كل المواد الهامة المراد تعديلها وتصحيحها.. واتجهوا الى مثل تلك المواد التى لا يختلف عليها عاقل واحد.. إمعانا فى الهاء هذا الشعب بأن السيد الرئيس قد قام بعمل تعديلات لعدد 34 مادة من الدستور دفعة واحدة.. وهى سابقة تاريخية فى مصر لم تحدث من قبل!
ويأتى القرار والاعلان الأخير يوم 19 مارس للمناقشات ليعلن موافقة مجلس الشعب بالأغلبية على التعديلات الدستورية.. وتظهر الصورة واضحة وجلية لهؤلاء الأغلبية «الزملاء» ليقوموا بتهنئة بعضهم البعض.. وتعلو أصواتهم بالأناشيد الوطنية ويتقبلوا التهنئة بينهم وبين بعض بالعناق والقبلات!!.. فتح جديد قاموا به! ويسجله التاريخ المصرى.. انتصروا على زملائهم فى المجلس.. ونجحوا فى تمرير التعديلات التى وضعوها دون ان يعلموا أنهم ينفذون سياسات سوف تنقلب عليهم فى يوم من الأيام..
حرفة.. هى ومهنة.. يحترفها ويمتهنها بعض النواب فى المجلس الموقر لدورات عديدة.. بغض النظر عما الذى انجزوه وحققوه فى أى من الدورات المتعاقبة التى مثلوا فيها طوائف الشعب! هل نقلوا صوت أبناء دوائرهم الى المجلس..؟؟ هل مثلوا الشعب؟ «وأغلبه رفض التعديلات المظهرية للدستور».. ورفض الانفراد بالسلطة لفئة وعائلة وحزب واحد لمدة تزيد على 25 عاماً؟؟ هل الاخوة الزملاء من أعضاء حزب الأغلبية يدركون حجم الخطأ الذى وقعوا فيه حين أعلنت الموافقة على التعديلات الدستورية ولم يشيروا الى موقف أكثر من مائة زميل انسحبوا ورفضوا اسلوب وطريقة ادارة مناقشات التعديلات.. ولم يجدوا من يستمع اليهم ويناقشهم فى آرائهم ووجهة نظرهم فى التعديلات.. وهى وجهة نظر ورأى رجل الشارع الذى أتى بهم الى المجلس الموقر.
هل تلك هى الديمقراطية؟ والتى نعلمها للأجيال القادمة؟؟ هل من الديمقراطية أن نتجاهل رأى أكثر من ربع عدد أعضاء المجلس الموقر الذين اعترضوا ولم يوافقوا على التعديلات.. ونصفهم بالسلبية. وطيور الظلام ونصف رأيهم بأنه ارهاب فكرى.. وانهم لا يمثلون ثقلاً وقيمة؟ وتصرفاتهم صبيانية!! وبقى أن يقولوا »وإذا استقالوا سنأتى بغيرهم!!« وكأنهم امتلكوا أصوات الشعب وعقولهم.
هل الالتزام الحزبى لأعضاء الحزب الوطنى يعلو فوق المصالح الوطنية ويتجاهل الرأى الآخر وينفرد باتخاذ وتمرير ودعم رغبات الحكومة ورغبات السلطة.. وهم من المفترض أنهم رقباء عليهم وعلى أدائهم. هل الطاعة المطلقة تكون لغير الله؟؟
أقولها مرة أخرى.. رب ضارة نافعة.. العبث بكتاب الوطن ـ كما يطلقون عليه ـ والاستخفاف بعقول أبناء الشعب والفلاحين البسطاء والعمال الكادحين.. لن ينطلى عليهم هذا العبث..
ان كنتم قد عقدتم العزم على المضى فيما انتم ذاهبون اليه.. من الانفراد بالسلطة وتقسيم موارد البلد عليكم وعلى اتباعكم والغاء عقول شعب.. عاش أكثر من خمسة آلاف عام تحت قيادات الفراعنة وتحت حكم الحاكم بأمر الله فلا تنسوا اسطورة الفلاح الفصيح..!! ولا تنسوا القول الدارج والحكمة المصرية التى تقول «اصبر على جار السوء»..
ولنا فى يوم الاستفتاء على التعديلات وقفة. ولنا كلمة حق نقولها ابتغاءً لوجه الله ـ عز وجل ـ وهي نداء الى كل مصرى.. وسؤال: هل أنت راض عن حالك؟ هل أنت راض عما آل اليه الوطن؟ هذه فرصتك لكى تعبر عن غضبك.. توجه الى صناديق الاستفتاء..
لسنا أقل ديمقراطية من موريتانيا.. ومن الامارات العربية.. ومن دول نامية جديدة خطت خطوات واسعة فى مجال حقوق الانسان وممارسة الديمقراطية.. وكانت نسب المشاركة فى الانتخابات والاستفتاءات فيها عالية.. فهل مصر أقل منها؟؟؟ لا أعتقد.. فلدينا شباب واعد ورجال على مستوي الحدث...

0 comments :

إرسال تعليق