أنور عصمت السادات
شاهد ( علي شكل تمثال ) يوضع تحته الورود .. وهو في كل ساحات العالم الرئيسية .. شاهد علي حروب انتهت من أزمنة بعيدة أو قريبة .. يضع الزائر لتلك البلد باقة زهور تحت هذا الرمز اعترافا منه بأحقية تلك البلد في ان تدافع عن أرضها وهي محقة وعلي حق في الحروب التي دارت.. وتلك واحدة من المراسم الرسمية الرئيسية و من مظاهر الدبلوماسية عند الزيارات الرسمية بين رؤساء البلاد .. زيارة قبر الجندي المجهول ..
تسميه الدولة "الجندي المجهول" لأنه رمز .. لجنود فقدوا أسمائهم وهويتهم في سبيل هدف أسمي هو التمسك بتراب الوطن .. وتراب الوطن أغلي من الأسماء ..لهذا فهو جندي مجهول الاسم ولكن معلوم في الهدف والتضحية التي من أجلها استشهد . نصنع تمثالا للجندي أو شاهد قبر او رسما يرمز لهذا الإنسان لنقف أمامه احتراما للدولة التي منها هذا المجهول . ومثله مثل علم الدولة .. ينحني أمامه زائر البلد احتراما لشعار البلد التي قدم لزيارتها بصفة رسمية.
قبر الجندي المجهول في أي مكان في العالم قطعة من الصخر او الرخام البارد تحوي دفيء الإنسانية و سمو التضحية ..
و ما أكثر الجنود المجهولين في مصر .. أحياء وأمواتا .. وليس لهم شهود ولا قبور .. ولا يقف أمامهم رؤساء الدول ليضعوا ورودا وزرعا .. ولا نحتفل بذكراهم ..ولا نخصص يوما لشهداء المجهول ..
لدينا الان أكثر من 70 مليون مصري مجهول الاسم والهوية ( ومش مهم هما مين وبيعملوا ايه ولزمتهم اية في الحياة؟ ) وأقل من مليون من أصحاب الأسماء والمراكز والأقارب والعائلات تستخدم هؤلاء السبعين مليونا لإغراض شخصية وتجارية .. وهكذا الحياة في مصر ... تسير وتمضي الأيام بين وعود وتصريحات من المليون الي الـ70 مليونا بأن هناك أملا ان يصبحوا مثل سائر البشر ... أصحاب رأي وقرار .! في بلادهم وان هناك قانونا سيوضع لحفظ كرامتهم .. وأملا كبيرا في رخاء اقتصادي مثلهم مثل الـ5 مليون.
اليوم نتحسر علي مجزرة ارتكبتها غدرا إسرائيل في حق 250 جندي مصري عام 1967 (ونضرب أخماس في أسداس ) من هم هؤلاء ؟ وما هي ظروفهم وما هي أسباب استسلامهم ؟ وكيف لم نكتشف تلك المجزرة في حينها .. او بعد انتهاء الحرب ؟
جنود مصريون مجهولون استشهدوا ومثلهم ملايين يستشهدون نتيجة التراخي والإهمال .. وعدم الشعور بالمسؤولية وملايين تموت بسبب أمراض ناتجة عن تلوث الأكل والشرب .
حالة الحرب تفرض نظاما معينا لهؤلاء المفقودين .. وأقصي ما يمكن ان نفعله هو ان نعتبر المفقودين أمواتا بعد سنوات معينه من اختفائهم ..واعتبارهم شهداء .. ويعاملوا معاملة الشهداء ..لذويهم وأبنائهم ..ولكن في حالة السلم .. كيف نعتبر هؤلاء 70 مليونا .. ومن يموت منهم للأسباب المختلفة شهداء ..؟
قد نختلف في الأرقام والأعداد !! ولكن لا خلاف علي تدني ما وصل إليه الإنسان المصري اليوم من مستوي التعليم والصحة والاقتصاد .. والطامة الكبري .. في السياسة !! .. فقد أصبحنا تابعين ..ولا رأي لنا .. واذا كان لنا رأي .. نحسب حساب الآخرين عشرات المرات قبل ان نتخذ قرارا .. حتي لو كان هذا القرار قرارا وطنيا قوميا يخصنا نحن ولا يخص أحدا .. خوفا من أن تغضب أمريكا أو تفهمنا غلط !! .. ونحسب حساب الدول العربية والإفريقية قبل ان ندلي بتصريح سياسي ينعكس علينا . خوفا علي المصريين هناك من بطش تلك الدول والا ماذا يعني ... .250 جندي مصري شهيدا ؟ ياتي رد الخارجية بمعني : ( موضوع قديم ويجب الا نزايد عليه .. ويجب ان ننساه تعميقا لعلاقات السلام !!) وما معني تواجد بعثة دبلوماسية ببغداد بعد قتل سفيرنا في العراق .. يأتي رد الخارجية مثيرا للعجب ( ليس سفيرا !! ولكن قائما بأعمال !!!!!) ثم يتداركوا الموقف .. بعد ذلك ..ويقولون إنه سفير .. وتستمر البعثة الدبلوماسية المصرية ببغداد .. حتي موقف سحب البعثة المصرية ليس بيدنا ...( توثيقا للعلاقات الأمريكية المصرية ودعما لدور أمريكا بالعراق !! والحفاظ علي الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط
اعتراض إسرائيل علي دخولنا عصر الاستخدام السلمي للذرة !! وتثير جدلا حول النوايا ... ويأتي رد الخارجية المصرية .. ويقول : ( نؤكد آلف مرة انه سلمي ومفيش خوف منا !!! )
العلاقات المصرية الإيرانية غير مفهومة .. هل تنتظر الخارجية المصرية الرأي من الولايات المتحدة الأمريكية .. العلاقات المصرية السودانية ... تنصب في دعم الدور الأمريكي والأوروبي في السودان .. وليس لنا رأي .. العلاقات المصرية الروسية والصينية .. والأوربية .. كلها علامات استفهام وتساؤلات لا إجابة لها ... صمت القبور .. وكأننا جنود مجهولون في قبور لا رأي و لا حس ولا حتي خط قومي سياسي واضح نتبعه ... فقط نتبع رد الفعل في كل أمورنا .. ننتظر ما يحدث ثم نقرر بعدها ما نقوله ونتبع أقوي دولة في العالم .. ( أمريكا ) ...!!
تقاس قوة وقيمة الأمم بمدي مساهماتها في تقدم باقي الشعوب والأمم .. وتقاس بمدي ما قدمت للبشرية من خير .. ومن اختراعات ومن آراء وأفكار جديدة .. ( هكذا كان رأي الدكتور أحمد زويل عندما سأل عن معني الحضارة ومعني التقدم .. وقارن بين مصر وإسرائيل في المجال العلمي ..) ..
حتي السفير الأمريكي بالقاهرة له رأي .. وهو رأي يحير في مضمونه .. أدلي به في برنامج أتكلم مع المذيعة لميس الحديدي منذ أيام . ( وانا أتفق معه في بعض النقاط ..). قال ..: السياسة هي انعكاس لرغبة الشعوب .. والشعب هو المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية لاي دولة .. فإذا كانت إسرائيل وتعدادها محدودا جدا بالنسبة لمصر فإنها قد أرسلت في العام الماضي أكثر من سبعة ألاف طالب إسرائيلي لأمريكا للحصول علي درجات علمية .. بينما مصر بحجمها الكبير
أرسلت 700 طالب فقط ... وبالتالي كان تأثير الرأي العام الأمريكي مع إسرائيل لمعرفته بها أكثر من مصر من خلال البعثات العلمية .. اذا أين دور وزارة الخارجية المصرية وبعثاتها العلمية والثقافية المنتشرة في أنحاء العالم .. من دور في تعميق العلاقات وشرح قضايا الوطن ؟ أصبحنا جنودا مجهولين في بلادنا .. بدون معارك ولا حروب .. ! ولنا قضية ...! قضية إثبات الذات المصرية .. أو كما يقولون الآن .. المواطنة .. والتي أعرفها ويعرفها كل مصري جيدا ويعيشها يوم بيوم وهي حب الانتماء لمصر ..
لدينا مؤسسات وأحزاب تحاول بعث الحياة الوطنية المصرية و حب الانتماء لمصر .. ولها مصداقية لدي كل فئات الشعب ومنها حزب الوفد وحزب التجمع اليساري تلك المؤسسات والأحزاب هي الأمل الباقي لنا لكشف خبايا الفساد داخل المجتمع وبعث الامل لحياة أفضل بعد ان أصبح الحزب الحاكم حزبا يخدم مصالح غير مصالح الشعب ..وفقد الكثير من المصداقية الشعبية .. وأصبح سلم ووسيله لصعود أنماط بشرية انتهازية لا ترعي حق الله وحق الوطن ..
0 comments :
إرسال تعليق