المصريون
أنور عصمت السادات
قطعا مصر أكبر كثيرا من كل من تولي حكم مصر علي فترات - طالت او قصرت سنواتهم - .. لأنهم في الأول وفي الآخر بشر يصيبون ويخطئون .. وكم من الزعماء والحكام حكموا وتحكموا وعلوا في الارض و لم يعد أحد يتذكرهم الان .. وكم من الحكام والزعماء حكموا فترات قصيرة .. ومازالوا علي رأس قائمة الشرف الرئاسي في صفحات التاريخ القومي لما قدموه من أعمال باقية ..
عندما اغتيل الرئيس محمد أنور السادات .. ظهر يوم 6 أكتوبر 1981 صدم الشعب المصري وأصابته نوبة من الخرس .. والصمت .. ولم يتحرك أحد ليفعل شيئا منفردا .. أو متخطيا الحكومة - وقتها – وسكن الجميع وظلوا في بيوتهم ..حتي قبل إعلان حالة الطوارئ .. وحظر التجول ... علي الرغم من ان هذا الحدث كان من الأحداث التي كان الكثيرون يتنبأ ون بها .. أغتيال الرئيس .. الا انهم -كل الشعب ـ صدم وعقدت المفاجأة ألسنتهم وأيديهم .. ووضع الجميع أيديهم علي قلوبهم .. خوفا وشفقة بحال البلد بعد هذا الحدث ..
وتركوا الأمور تسير في الخطوط الشرعية والقنوات الرسمية .. طبقا لدستور البلاد الموضوع عام 1971 حتي الذين كانوا معترضين عليه او غير موافقين عليه .. تركوا الأمور تأخذ مجراها القانوني .
. الجميع اتفق مع بعضه البعض علي تطبيق الدستور حتي وان كان هناك خلاف ... فلا وقت الان ..
العالم كلة يراقب الأحداث ويرصد التحركات في مصر ... ظهر يوم 6 أكتوبر 1981 ويعلم الجميع ان العالم كله ينظر الي مصر وكيف ستتصرف وما هي الخطوات التي ستتم ..
الخوف سيطر علي المواطنين جميعا .. عدا فئة واحدة كانت رابطة الجأش .. شجاعة .. عهدت وعاشت لحظات مماثلة في 1973 من نفس اليوم انها القوات المسلحة المصرية .. تحركت ..-كما ينص الكتاب والدستور في حالة الطوارئ .. حماية الدستور والشرعية هدفها و لم تنتظر تعليمات من أي جهات أخري غير الشرعية ..
ومرت تلك الأيام بسلام .. شهدت له جميع القوي السياسية في هذا الوقت ..
اكثر من 25 عاما مضت علي هذا الحدث .. واليوم يتسألون ... ما الذي سوف يحدث لو ان منصب رئيس الجمهورية أصبح شاغرا ؟؟
مرة أخري أقول ان مصر أكبر بكثير من هذا المنصب .. ومن أي فرد – مهما بلغت القوي التي تقف خلف هذا الفرد ومهما بلغت سلطتها ونفوذها ..
كثيرا ما قالوا ان مصر دولة اللحظة الأخيرة ... في تصديها للطوارئ والملمات . وأنا اتفق مع هذا القول .. نعم يتصرف المصريون في آخر لحظة تصرفا سليما يحفظ أسم مصر عاليا ..مهما كانت الخلافات في الأيدلوجيات وفي المعتقدات وفي الفوارق الاجتماعية .. كل تلك الأمور لا تجد في تلك الأزمات مكانا لها ولا أذنا تسمع لها .. الجميع يسابق الزمن ليصل للاستقرار .. طبيعة الشعب المصري هي الوصول للاستقرار .. حتي لو كان هذا الاستقرار هو العيش علي حد الكفاف ..
أثناء حرب أكتوبر المجيدة في 73 .. لم نسمع عن أزمات تموينية !! ولا عن سرقات ..!! ولا انحرافات ولا مشاكل اقتصادية .. الكل يعمل في مكانه بلا رقيب .. طبيعة الشعب المصري طبيعة تكافلية في حياتها .. هل تلك الفترة تختلف كثيرا عن الان .. وهل تختلف تلك الطبيعة في حدوثه الآن اذا - حدث فراغ لكرسي رئاسة الجمهورية ؟ ..
قد يعتقد الكثيرون انني متفائل .. او انني أدعو الي التفاؤل وعدم الإحباط في هذا الموضوع .. ولكن التاريخ يقول هذا .. وعلماء الاجتماع يؤيدون هذا .. ورجال السياسة يعرفون مصر والمصريين .. ويدركون جيدا انه لا مكان للأفكار أو الأيدلوجيات المتطرفة ان تحكم مصر..و يعلم السياسيون ان مصر لن تكون حقل خصب لأفكار دول أخري وتطلعات حكام آخرين في منطقة الشرق الأوسط او الادني او أي منطقة أخري ..
مصر متفردة في أفكارها .. البسيطة .. والقناعة صفة تلازمها وتلازم شعبها ..حتي لو كانت تلك القناعة تسببت في وضعها في أسفل جدول الدول النامية في الاقتصاد ..
تأخرنا كثيرا في ترتيب البيت من الداخل .. في وضع دستور مستقر يحفظ للوطن والمواطن كرامته في حياة شريفة .. نعم تأخرنا .. وتجاوز التأخير كل الخطوط .. وتأخرنا وتخلفنا اقتصاديا لأسباب قد يعلمها البعض وقد تكون غامضة علي الآخرين .. ولكن النتيجة واضحة .. تخلف اقتصادي ..لا يليق بأسم مصر ..
كل تلك الأزمات شيء .. و تصرف الشعب المصري في الأزمات شيء آخر ..
وحب السلطة ليست من الطبائع المصرية .. ولا تدخل في أحلام الكثيرين من المصريين ..والغالبية العظمي من الشعب المصري ترضي بمواقعها في الحياة وتحافظ علي خط ثابت يضمن لها الاستقرار .. بعيدا عن الدخول في مغامرات غير محسوبة لتولي كرسي حكم أو الاشتراك في مناورات تسمح له لتولي منصب في وزارة او قيادة ..
اما الشكل الذي سوف تكون عليه الدولة .. فأنا أعتقد انه لن يكون هناك أي تغير في الخطوط العامة في السياسة الداخلية أو الخارجية أو الاقتصادية ... وإنما يمكن أن يكون تغيرات محدودة في الشخصيات واستبدال بعض الرموز التي عليها خلاف أو تحفظات في الفترة السابقة ..
ويمكن ان تكون هناك دفعة شبابية في الاقتصاد والجرأة في اتخاذ قرارات لها تأثير سريع علي الحياة العامة تشعر المواطن البسيط بأمل في المستقبل .. وتجذبه الي صف الحكومة والسلطة الجديدة .. ليكون داعما لها في قراراتها ..
0 comments :
إرسال تعليق