«السادات» يخرج عن النص

المصرى اليوم

سحر الجعارة

كان من السهل التنبؤ بأن المستقبل السياسى للنائب «محمد أنور السادات» قد دخل دائرة الغروب حين خرج عن النص وقرر مكاشفة الرأى العام، (الملتهب بسبب الغلاء)، واتهم مجلس النواب بإهدار المال العام بشراء 3 سيارات مصفحة بقيمة أكثر من 18 مليون جنيه، لرئيس ووكيلى البرلمان لتأمينهم.

وقتها قال الدكتور «على عبدالعال»، رئيس المجلس: (لو تم اغتيالى بعد تصوير سيارتى سيكون هذا الشخص شريكاً فى الجريمة).. ويبدو أنه قد صدر حكم بالإعدام السياسى على «السادات» جار تنفيذه الآن.

لم تكن قضية كشف موازنة المجلس كافية للإيقاع بـ«السادات»، ولكن أى شخصية عامة من السهل أن تتصيد لها الأخطاء، (إن لم تحتفظ لها بتسجيلات)، ثم تطلق عليها أبواقك الإعلامية وتهيئ الرأى العام لإقصائه عن المشهد السياسى، بل ومحاكمته «جنائيا» إذا كانت التهم «محبوكة»!

معروف أن «السادات» نائب مشاكس ومشاغب، ومصادر دخله وتمويل جمعيته الأهلية معروفة للأجهزة الأمنية، وإن كانت «الأجهزة» لا تعلم شيئا عن أنشطة السادة النواب فتلك «مصيبة» أكبر من الاتهامات الموجهة للسادات.

لكن فجأة تحولت الجمعية الأهلية إلى نقطة ضعف، فالسادات متهم بتسريب قانون الجمعيات الأهلية للإعلام والسفارات الأجنبية قبل عرضه على المجلس، (مشروع القانون المقدم من الحكومة منشور ولم يقدم المجلس مشروعا آخر)، وفى حواره مع «المصرى اليوم» يقول السادات إن رئيس المجلس «يتربص» به.. وإنه أثناء مناقشة قانون الجمعيات الأهلية وصف رئيس المجلس الأعضاء الذين لا يوافقون على القانون بأنهم محل اتهام فى القضية 250 والخاصة بالتمويل الأجنبى.. وقال «السادات»: (إن التقارير الأمنية تؤثر على أداء المجلس، وتحدث فتنة وتشكيكا بين الأعضاء).. وهذه «تهمة خفية» فات لجنة القيم بمجلس النواب محاسبته عليها!

لجنة القيم أوصت بإسقاط العضوية عن النائب «أنور السادات» فى واقعتين، الأولى تتعلق بتسريب معلومات عن إحدى مؤسسات الدولة لصالح البرلمان الأوروبى، بينما شهدت الواقعة الثانية وضع النائب توقيعات غير صحيحة تخص عددا من النواب على بعض مشروعات القوانين.

لم يجد «السادات» أمامه إلا باب النيابة العامة مفتوحا بعد أن رفضت لجنة القيم الاستجابة لطلباته ولم تستمع لدفوعه والمستندات التى تثبت صحة موقفه، ومنها عرض توقيعات النواب على الطب الشرعى، فطلب من النيابة رفع الحصانة عنه، واتخاذ الإجراءات اللازمة طبقًا للدستور.. ولا أعتقد أن هناك إجراء «عاجلا» ستتخذه النيابة قبل إسقاط عضوية «السادات».

«السادات» لا يُعاقب على تقارير تحدث فيها عن «الاختفاء القسرى أو التعذيب فى السجون»، إنه فعليا يُعاقب على موقفه المعارض لمناقشة المجلس اتفاقية (تيران وصنافير) بعد الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية.. يعاقب على تجاوزه «الخطوط الحمراء» وإثارة موضوع معاشات القوات المسلحة والشرطة والوظائف المدنية التى يتقلدونها.. بينما المجلس الموقر يسعى لإقرار قانون زيادة رواتب ومعاشات الوزراء.

«السادات» يُعاقب على جهله باللغة التى كُتب بها الدستور الحالى، فتصور أن «النائب» له حصانة تحت قبة المجلس ليراقب الحكومة.. بينما هو «مراقب» من الوزيرة «غادة والى»، وزيرة التضامن الاجتماعى، التى حركت المجلس كله ضده.. ومحاصر من الأجهزة الأمنية التى منعت «التمويل» عن جمعيته لعام ونصف!

فجأة تحول النائب، الذى كشف قضية «السيارات المصفحة»، من «بطل» إلى «متهم» بالخيانة والتخابر مع «سفارة أجنبية» والتزوير(!!).. وأصبحت قضية إهدار المال العام فى شراء سيارات لرئيس المجلس والوكيلين مجرد فرقعة لإرهاب المجلس حتى لا يفتح ملف «السادات».. فكيف ولماذا لجأ السادات للنيابة؟

لا يوجد «مزور» فى الحياة يقدم رأسه لسيف العدالة، ولا يوجد «خائن» يحتمى بالإعلام والرأى العام ويجيد تمثيل دور «الضحية» ويقنع الناس بموقفه كما حدث مع «السادات».. لو كان «السادات» كاذبا فى واقعة «السيارات المصفحة» لربما صدقنا كل الادعاءات التى تروج ضده!

قد أختلف مع «السادات» فى قضية التمويل الأجنبى التى أتعامل معها بحساسية مفرطة، أو فى قضية رواتب ومعاشات العسكريين التى أرى ضرورة زيادتها الآن.. لكننى فى النهاية أرى «آليات المؤامرة» بوضوح بنفس الأشخاص ونفس الأدوات.

لو كان هذا هو أسلوب «ترويض النواب» فقُل على المجلس السلام، وإن كان هذا هو المجلس الذى يضع التشريعات ويراقب أداء الحكومة فأنت تكتب نهاية مرحلة سياسية- فى بدايتها- بأسوأ قواعد سياسية وأخلاقية لإخراس أى معارض يسبح ضد التيار!

0 comments :

إرسال تعليق