الرئيس يبارز «العسكرى».. و«القضاء» يواجه مشروع «الإخوان» الاستحواذى «مرسى» و«طنطاوى» فى معركة الصلاحيات على أرض القضاء «مرسى» و«طنطاوى» فى معركة الصلاحيات على أرض القضاء


محمد شعبان


لم ينتظر الرئيس محمد مرسى حتى يستقر فى الحكم، واختار مبكراً خوض معركة عنيفة دون أن يستعد لها مع القضاء والمجلس العسكرى للسيطرة على الحكم وامتلاك مقاليد البلاد، وكانت النتيجة أن تعرض الرئيس لضربات عنيفة من القضاء أفقدته جزءاً من توازنه السياسى، ولكنه سرعان ما استرد قوته محاولاً توجيه ضربات مضادة إلى المجلس العسكرى والقضاء، حتى دارت معركة عنيفة بين السلطات الثلاث كانت نتيجتها أن أصيبت الدولة بالشلل وتفرغت المؤسسات الثلاث للحرب المشتعلة بينهم.

القضاء لم يكن طرفًا فى المعركة التى اشتعلت فى البداية بين الرئيس الذى يريد الحصول على كافة صلاحياته وبين المجلس العسكرى الذى يسعى للبقاء فى المشهد السياسى بإعلان دستورى مكمل نقل إليه السلطة التشريعية بعد قرار حل البرلمان من المحكمة الدستورية وتصور البعض أنه بمجرد تنصيب مرسى رئيسًا وحلفه لليمين أمام المحكمة الدستورية وتسليم المجلس العسكرى للسلطة وأداء المشير التحية العسكرية للرئيس أن المعركة قد تنتهى أو يحصل كل منهما على استراحة محارب لإعادة ترتيب الأوضاع والتفكير فى المستقبل. ولكن الدكتور محمد مرسى أطلق صفير الحرب مجدداً، عندما أصدر القرار الجمهورى بعودة البرلمان مرة أخرى معتدياً على حكم المحكمة الدستورية بإلغائه، ولكن العسكرى نقل المعركة إلى القضاء واختار أن يترك المحكمة ترد على عدوان مرسى على أحكامها وأصدر بياناً هادئاً ومتزناً يؤكد فيه أنه لا يريد الصدام.

 ورغم أن مرسى حاول «جرجرة» العسكرى إلى الصراع عندما أصدرت الرئاسة تفسيرا للقرار الجمهورى أكدت فيه أن القرار لا يمس أحكام القضاء ولكنه يلغى فقط القرار الصادر من «العسكرى» بحل البرلمان، وهو ما يعنى أن الرئيس يريد أن يؤكد ان المعركة مع العسكرى فقط ولكن القضاء أصبح طرفاً فى المعركة وانتقل اليها تدريجيا بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية حكما بإلغاء القرار الجمهورى الصادر من الرئيس. ورغم أن البرلمان أصبح منحلاً إلا أنه أراد أن يخلق أزمة قضائية عندما أحال الأحكام بصحة عضوية نواب البرلمان إلى محكمة النقض، ولكنه تلقى صفعة قوية بعد أن أجمعت المحكمة على عدم اختصاصها فى نظر الدعوى وهو ما خلق أزمة جديدة بين الرئاسة والقضاء، خاصة أنها حتى الآن لم تعلن موقفها النهائى من حكم حل البرلمان.


 الأزمة الحقيقية أن القضاء دخل حلبة صراع الرئيس والعسكرى حول الصلاحيات، فمرسى وجماعة الإخوان أعلنوا بعد إعلان نتيجة الانتخابات مباشرة الحرب على المجلس العسكرى وكلمات الرئيس فى ميدان التحرير قبل حلفه اليمين الدستورية خير دليل على ذلك، حيث قال «لن أتهاون فى انتزاع أى صلاحية من صلاحيات رئيس الجمهورية وليس من حقى أن أفرط فى الصلاحيات والمهام التى اخترتمونى على أساسها، هذا عقد بينى وبينكم» ولكن مرسى لم يجد سوى عودة البرلمان كسلاح يمكنه من السيطرة على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، خاصة أن البرلمان فى الجلسة التى عقدت بعد القرار الجمهورى أرسل خطاباً إلى الرئيس يطالبه فيه بالتصديق على القانون الخاص بانتخاب أعضاء الجمعية وهو ما فعله مرسى. فقانون انتخاب الجمعية التأسيسية الذى صدق عليه الرئيس بالموافقة يزيد من حدة الصراع القائم بين الرئيس والقضاء والعسكرى، خاصة أنه قام بتحصين الجمعية من الحل بحكم من الإدارية العليا ولكن المعركة ستنتقل إلى المحكمة الدستورية مرة أخرى، لاسيما أن البرلمان منحل وليس من حقه توجيه خطاب إلى الرئيس كما أن تشكيل الجمعية كان فى وقت لاحق على صدور القانون، وهو ما يجعل فرص حكم الدستورية بحل الجمعية التأسيسية الثانية مرة أخرى قائمة وبالتالى يزداد الصراع عمقاً.

 المشير طنطاوى عبر فى كلماته خلال حفل تسليم وتسلم قيادة الجيش الثانى الميدانى الأحد الماضى عن مضمون الصراع الدفين بين المجلس وبين الرئيس وجماعة الإخوان، حينما أكد أن مصر للجميع وليست لفئة واحدة ولن نسمح بالانحناء لأحد وهو التصريح الذى قابلته الجماعة بردود فاترة، فالصراع بينهما قائم ولا توجد أرضية للتفاهم. الجمعية التأسيسية هى محور الصراع الحقيقى بين الرئيس والعسكرى وليس البرلمان فهناك أصوات تنادى بانتخاب رئيس جديد عقب وضع الدستور وهو ما أزعج الإخوان بشدة وجعلهم يشعرون أن مكاسبهم السياسية على المحك، فبحثوا عن طريقة لتحصين الرئيس بمادة انتقالية تمنع انتخابه ولم يجدوا الفرصة سوى فى الجمعية الحالية التى يملكون فيها أغلبية، فلو تم حل الجمعية سيتمكن المجلس العسكرى من تشكيلها وبالتالى من الممكن أن تجرى انتخابات رئاسية جديدة بعد عدة أشهر قد لا يفوز فيها مرشح الجماعة فتخرج من الحياة السياسية بلا أى مكاسب.

وخطورة استمرار هذا الصراع أنه يقود البلاد إلى سيناريوهين، إما الحرب الأهلية أو الانقلاب العسكرى، خاصة أن هناك بعض القوى المدنية تدعم منح العسكر السلطة التشريعية حتى لا ينفرد الرئيس بها ويمنح جماعة الإخوان من السيطرة على الدولة وهو ما يخشاه الكثيرون.

ويبدو سيناريو ما حدث فى رومانيا قريب الشبه بما يحدث فى مصر الآن، فبعد نجاح الثوار فى القضاء على تشاوشيسكو حدثت اضطرابات عنيفة فى البلاد ولم يتم الاهتمام بتنفيذ أحكام القضاء قبل أن يتولى أحد مساعدى تشاوشيسكو الحكم وهو «اليسكو» لفترتين رئاسيتين تمكن خلالها من إعادة كل رجال النظام السابق إلى المناصب القيادية وانتهت الثورة الرومانية إلى الأبد بعد نجاح الثورة المضادة.

عصام شيحة – مساعد رئيس حزب الوفد – قال إن إشكالية الصراع بين السلطات تكمن فى التفاهمات التى بدت بين الإسلاميين والعسكرى.. وهذا قادنا إلى مسار زرع فيه العديد من المطبات والأشواك بدأت بالاستفتاء على تعديلات بعض المواد فى دستور 1971 ولكن النتيجة تحولت بقدرة قادر إلى تعطيل العمل بالدستور وإصدار إعلان دستورى من 63 مادة، وقوبل ذلك بترحاب شديد من الإسلاميين رغم أن أغلب القوى الوطنية والمدنية والثورية تنادى بالدستور أولاً واعترضوا على الإعلان الدستورى فبعد 30 مارس صدر 3 إعلانات دستورية متوالية ولم يعترض الإسلاميون إلا على المكمل فقط بعدما شعروا أن مرسى قريب من الكرسى الرئاسى. وأشار إلى أنه بوصول الإخوان لقمة الهرم تحولت التفاهمات مع العسكر إلى خصومة معلنة خاصة أن القارئ لتاريخ الإخوان من مارس 1928 يجد أنهم أخلوا بكل الاتفاقيات وأخلوا بالتعهدات وكانت الشرارة التى أشعلت الصراع هو عدم احترام الرئيس لحكم الدستورية، فعندما حلف اليمين أمام الدستورية جار على اليمين بعد ساعات عندما تحدث فى جامعة القاهرة عن أن المؤسسات المنتخبة ستعود.


وقال شيحة إن حالة الصراع على السلطة ممتدة من مارس 1954 وحتى اليوم وثوره 25 يناير أسقطت ورقة التوت فى الصراع القائم بين العسكر والإسلاميين وخاصة الإخوان وقامت بتغيير موازين القوى وسمح للإخوان بالظهور فى الصورة.


وأكد أن تنظيم الإخوان توهم أنه امتلك الدولة فأصبح الخلاف هو من يستطيع السيطرة على مفاصل الدولة، فالعسكرى يتفهم حق الرئيس والإخوان فى تشكيل الحكومة وليس حقهم فى السيطرة على الدولة وهذا فارق كبير، كما أن الرئيس تعمد عودة البرلمان ليحدث تنازع حول من صاحب السلطة التشريعية رغم أن حكم الدستورية واجب النفاذ والشعب الآن فى مأزق ولا أحد يعرف هل البرلمان أصبح منحلاً أم لا؟ وقال شيحة إن الصراع الآن يشتعل للسيطرة على الدستور والرئيس أعاد البرلمان حتى يصدر منه خطاب إلى مؤسسة الرئاسة يطلب منه التصديق على قانون انتخاب الجمعية التأسيسية وهذا يفرغ دولة القانون من مضمونها ويهدم ركناً من أركان الدولة.

وأكد أنه مالك يتم التوافق والتحاور بين الإخوان وكل القوى الوطنية والقضاء والعسكرى سندخل فى دوامة ويواصل سيناريو ما حدث فى رومانيا يبدو قريب الشبه مما يحدث الآن فى مصر، ففى رومانيا انتهت الثورة بعد أن تم الاعتداء على أحكام القضاء.

وأشار محمد عصمت السادات – رئيس حزب الاصلاح والتنمية – ليس هناك شك فى أن هناك صراعاً موجوداً الآن بين السلطات وأسبابه غير مفهومة، فالقضاء والعسكرى التزما بما وعدا به وتم إجراء انتخابات رئاسية نزيهة وتم تسليم السلطة وليس هناك مبرر لما يحدث الآن، ويجب على الرئيس أن يجلس مع كل الأطراف المتصادمة مع بعضها دون تدخل من أحد ويستمع إلى تصور لإنهاء حالة المواجهات الآن، خاصة أن الشعب هو الضحية وتلك مسئولياته بصفته الحكم بين السلطات. 

وأكد أن هناك أطرافاً غير متقبلة للأغلبية الإسلامية وهذا سبب الصراع كما أن هناك من الإسلاميين من يسعون إلى السيطرة على كل شىء خوفا من العودة إلى الماضى وهذا ما خلق حالة المواجهات المستمرة بين الطرفين وفى النهاية تحتكم إلى الدستور والقانون. 

وقال الدكتور عمرو الشوبكى – نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية – إننا الآن ندفع ثمن أخطاء المجلس العسكرى فى إدارة المرحلة الانتقالية وصراع القضاء ومؤسسة الرئاسة نتيجة لتلك الأخطاء، ولو كنا الآن اتفقنا على وضع الدستور أولا أو العمل بدستور 1971 لما انتخبنا رئيساً دون صلاحيات.

وأضاف أن هناك حالة ريبة وتوجس بين مؤسسات الدولة ومؤسسة الرئاسة وهناك تخوف من سيطرة الإخوان ومخاوف من طرف الجماعة ناحية الدولة العميقة، وهذا ممكن أن ينهى التجربة الديمقراطية فى مصر ويؤدى إلى الاستمرار فى مكانة لا تليق بمصر بعد الثورة خاصة لو فشلنا فى عمل دستور أو عدم انتخاب برلمان.

 وأضاف الشوبكى أن توازنات القوى الحالية فى صالح الرئيس ما لم تحدث مفاجآت أو مستجدات فى المجلس العسكرى ولكن الوضع الحالى فى صالح الإخوان.

وقال المستشار حسن عمر – الخبير الاقتصادى والقانونى – لو كان المجلس العسكرى قوياً لما حكم الإخوان فقد أفسح لهم الطريق للحكم، كما أن خطايا النظام السابق مثلت عوامل ضعف للمجلس العسكرى ولو كان يستطيع المبارزة مع الإخوان لفعل ليحافظ على نفسه ولكن الجماعة أصبحت قوية على الأرض.

وأشار عمر إلى أن الفيصل بين العسكر والإخوان هو أيهما يستطيع أن يحشد ويقوى النظام الاقتصادى للدولة، ومن يفعل ذلك سيتحكم فى البلاد ويطيح بالآخر مثلما حدث فى تركيا وأردوغان أطاح بالعسكر لأنه استطاع أن ينمو بالاقتصاد كما أن التطور الآخر هو المواجهة مع إسرائيل والانتصار عليها، وهذا جزء من طبيعة الصراع وإذا لم تحدث تلك المواجهة سيستمر صراع القوى.


ويرى الدكتور عماد جاد – عضو مجلس الشعب المنحل – أن إدارة المرحلة الانتقالية لابد أن تكون بالتوافق بين الرئيس والعسكرى والقضاء، وأى خلافات تنعكس على الأوضاع وكل قوى تستخدم كل ما لديها من أوراق ضغط على الآخر وتلجأ إلى تعطيل أى سياسات ومصالح وهذا ليس فى الصالح العام.

 وأشار إلى أن صراع العسكر والقضاء والرئيس زاد بعد تصديق مرسى على قانون انتخاب الجمعية التأسيسية، والذى حصن الجمعية الحالية فى مواجهة الحل والمعركة ستنتقل إلى المحكمة الدستورية.

وقال اللواء محمد على يوسف – الخبير الاستراتيجى – إن نهاية الصراع بين العسكر والإخوان إذا ما فشلت كل الطرق فى التوافق بينهما إما انقلاباً عسكرياً يطيح بحكم الإخوان ويعيد الحكم العسكرى لمصر مرة أخرى أو انفلاتاً سياسياً يعقبه حرب أهلية بين أنصار المرشحين ويبدو سيناريو رومانيا الاحتمال الثالث القائم، خاصة أن العسكرى نقل المعركة إلى القضاء ولو فشل فى تحجيم طموح الإخوان فى السيطرة على الدولة من الممكن أن يحدث الانقلاب العسكرى.

0 comments :

إرسال تعليق