الشريف وسرور وشهاب.. في الطريق إلي نهاية الخدمة
الوفد
عاطف خليل: المشهد السياسي في مصر مرعب ومحزن ومخيف، فمصر أنهكها ومص دمها وأضعفها من يسمون بالحرس القديم، الذين تربعوا فوق كراسي السلطة، وتحت دائرة الضوء لعقود طويلة، لدرجة أنهم شابوا فوق كراسيهم، ووهن عظمهم وتساقطت أسنانهم بفعل الزمن، وأوشكت شمسهم علي المغيب. هؤلاء الذين عايشوا عبد الناصر وشاركوا السادات وسطع نجمهم في عهد مبارك، أصبحوا حالياً مثل "خيل الحكومة" لم يقدموا شيئا لمصر إلا الفقر والخراب والفساد، لأنهم ليسوا إلا موظفين وظيفتهم هي "المحلل" يبررون كل شيء يقوم به النظام حتي ولو كان ضد مصر ومصلحة الشعب المصري.. انهم الآن في انتظار مكافأة نهاية الخدمة وهي "رصاصة الرحمة" التي يجهزها لهم أحمد عز ورفاقه من الحرس القديم. لم تقف مصائب الحزب الوطني الحاكم عند هؤلاء، بل امتدت ليزداد الحزن علي مصر وشعبها ومستقبلها الذي أصبح لعبة في يد طرفي الصراع داخل هذا الحزب بعد ظهور "الثعالب الجدد" الذين يتربصون بالمستقبل السياسي للبلاد، وينتهزون الفرصة لينقضوا علي مقاليد السلطة، لخلافة الحرس القديم بعد الاطاحة بهم ولا شك ان الصراع الدائر والمنافسة الشرسة بين ما هو قديم وجديد الآن، هو صراع المصالح الشخصية ليس إلا..!! وكأن مصر.. لم تنجب لنا سوي تلك الوجوه القديمة وهذه الثعالب ليتصارعوا ويتسابقوا للفوز بمصر والمصريين. نحن لسنا مع أحد، لكن ما يهمنا هو مصر وشعب مصر الذي ذاق الامرين من خلال حكومة الحزب الوطني منذ أكثر من نصف قرن مضي. وإذا كانت هذه الوجوه لا يوجد غيرها في الحزب الحاكم فعلي الحزب الوطني أن يترك مصر للمصريين ليقرروا مصير بلدهم بأيديهم.. لأننا لا نحب الضباع ولانريد الثعالب!! إن ما يحدث داخل الحزب الوطني الحاكم هو تزايد نفوذ لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك ومن معه سواء في الحزب أو في الحكومة، بل في مصر بأثرها، ففي الحزب الوطني نجد أن أحمد عز هو أمين التنظيم وهو الذي يحدد العضوية والهيئات القيادية وفي نفس الوقت نجد أمانة السياسات هي التي تنفرد داخل الحزب باعداد مشروعات القوانين والوثائق الاساسية للحزب الوطني التي تحدد توجهاته وتصدر من خلال مؤتمره العام، وبذلك تسيطر امانة السياسات علي الحزب الوطني، وهي التي ترشح الوزراء الجدد في الحكومة "رجال الأعمال"، وهي التي تقدم للحكومة مشروعات القوانين الجديدة التي تقدمها لمجلس الشعب. وباختصار إن نفوذ جمال مبارك ومن معه يتزايد، بينما يتقلص دور الشخصيات الأخري خارج نطاق هذه الامانة، ليس ذلك فقط، بل إن استمرارهم في مناصبهم، ووجودهم في السلطة مرتبط بمدي خدمتهم وولائهم لأهداف امانة السياسات وتوجهاتها. وبذلك أصبح مصير د. فتحي سرور رئيس مجلس الشعب وصفوت الشريف رئيس مجلس الشوري والأمين العام للحزب الحاكم والدكتور مفيد شهاب وزير شئون مجلس الشعب وكل من له علاقة بهم علي كف أحمد عز أمين التنظيم في هذا الحزب ومهندس عملية التوريث، والذي لم يعد أمامه سوي أن يضحي بالكبار ويطيح بهم الي خارج دائرة الضوء، وبذلك باتت أيامهم في السلطة معدودة. فلماذا يقبل الحرس القديم أن يتلاعب بهم المايسترو أحمد عز الذي منذ سنوات قلائل كان احد عازفي "الدرامز" في فرقة موسيقي مغمورة في شوارع الهرم لا يعرف السياسة ولا هي تعرفه، ولكن سبحان مغير الأحوال خلال السنوات الخمس الماضية ارتقي المناصب الحزبية بعد دخوله البرلمان حتي أصبح أمين التنظيم في الحزب الحاكم وظهر بشكل كبير علي المسرح السياسي، ولا شك أن في ذلك مؤشرا خطيرا، لأن هذا الصعودالسريع والمريب قد يقابله هبوط اسرع الي الهاوية، لأن هذا "العز" يجمع بين نقيضين نفوذ سياسي قوي وآخر اقتصادي اقوي، ورغم أنه رجل أعمال في القطاع الخاص، إلا أنه يضع الموازنة العامة للدولة او علي الاقل يشارك فيها، وهنا مكمن الخطورة!! ولا شك أن "عز" يحارب شتي الطرق حتي يتمكن ومن معه من حل مجلس الشعب الحالي، ليطيح بالحرس القديم، ويتبوأ مكانة أخري أكبر واخطر مما هو فيه الآن، لأن "عز" يعتبر من كبار مهندسي عملية التوريث، بل المستفيد الأكبر عند انتقال السلطة!! وعلي النقيض من موقف "عز" نجد الحرس القديم بزعامة صفوت الشريف ود. فتحي سرور اللذين يدافعان باستماتة عن مجلس الشعب ويرفضان حله. وصفوت الشريف الذي تجاوز من العمر 76 عاما.. قبض علي وزارة الاعلام لمدة تزيد علي 20 عاما، أفقد خلالها الاعلام المصري كل شيء، بل وهمش دور مصر، ثم تم تصعيده لرئاسة مجلس الشوري، والمجلس الاعلي للصحافة ولجنة شئون الاحزاب واخيراً أمين عام الحزب الوطني الديمقراطي، وكأن مصر بلا رجال؟! ويكفي "الشريف" ما قدمه من "خدمات جليلة" لمصر والمصريين كان آخرها التأخير في رفع الحصانة عن ممدوح اسماعيل صاحب عبارة الموت التي أودت بحياة 1400 شخص، رفض الشريف بصفته رئيس مجلس الشوري رفع الحصانة عن النائب ممدوح اسماعيل عضو المجلس بحجة عدم كفاية الادلة، حتي تمكن ممدوح من الهرب الي لندن. لم يبق شيء امام "الشريف" الا الرحيل بعيدا عن دائرة الضوء، لأنه آت لا محالة، فالاعتزال افضل من المعاش السياسي. أما الدكتور فتحي سرور الذي اقترب عمره من نهاية السبعينيات، فان مواقفه ثانوية في كافة القضايا الجوهرية، يتفادي الصدام دائما لضمان الاستمرار والبقاء علي كرسيه، ورغم أنه دائما ما يؤكد عدم وجود علاقة له تربطه بالحرس القديم او الجديد، الا انه علي يقين أن بقاءه علي كرسيه مرتبط ببقاء الرئيس مبارك في الحكم، لأن الحرس الجديد لن يقبل وجوده اذا ما اتيحت لهم الفرصة في القفز علي كرسي الرئيس. ولهذا يدافع د. سرور عن مجلس الشعب وأجري حوارات وتصريحات صحفية في صحف ومجلات عدة مؤكدا خلالها رفضه القاطع لحل مجلس الشعب، وأن كل شيء بيد الرئيس. بدأ مخطط الاطاحة بالحرس القديم بكمال الشاذلي الذي بدأ حياته السياسية عضواً صغيرا في الاتحاد الاشتراكي، وكان وقتها يسرع الخطي الي أي مكان يزوره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عساه يفوز بنظرة أو ابتسامة عابرة من الرئيس. ولما تغير الزمان انقلب الشاذلي من عضو بالاتحاد الاشتراكي يؤمن بملكية الدولة لأدوات الانتاج والقطاع العام، انقلب الي رجل يدافع بحماسة عن الخصخصة وعن الرأسمالية والقطاع الخاص. وصعد الشاذلي الي قمة الحياة البرلمانية وصار لعقود طويلة هو الحاكم بأمره تحت القبة، بل وصل به الحال الي تحريك نواب الوطني بغمزة من احدي عينيه، او اشارة من اصبعه الصغير. ورغم حالة الصعود السريعة إلي القمة في البرلمان والحزب الوطني الحاكم، إلا أن سقوط الشاذلي وخروجه من دائرة الضوء كان مدويا، حيث انحسرت عنه الاضواء، وصار مجرد نائب في مجلس الشعب يكتم غيظه داخله، وهو يري أحمد عز يمارس نفس الدور القديم الذي ظل يمارسه لعدة عقود. وكانت مصائب الشاذلي عند شهاب فوائد، فالدكتور مفيد شهاب كان أكثر المستفيدين مما حدث للشاذلي، إذ سارع شهاب بالالتصاق بالحرس الجديد، وصار الناصح المخلص والتابع الأمين لمجموعة جمال مبارك، التي كافأته بمنصب وزاري في حكومة "نظيف" فاستحدثوا له حقيبة وزارية لم نسمع عنها من قبل وهي وزير الشئون القانونية للحكومة، ولكن إلي متي يستمر شهر العسل بين آخر أفراد الحرس القديم مفيد شهاب وبين الحرس الجديد؟! مغانم الدكتور "رفعت السعيد" رئيس حزب التجمع، يري أن مسألة الحرس القديم والجديد تتكرر في بلاد كثيرة وليست في مصر فقط، لكن من الضروري أن يكون هناك تجديد لدماء أي حزب او حكومة بشرط ان يتصف الجدد بالفاعلية، وإلا سيدخلون وهم عاجزين ويكبرون وهم عاجزون ايضا. إذن نتفق علي ضرورة التجديد في القوي السياسية والاحزاب، لكن هذا لا يعني احتقاراً للكفاءات القديمة، وهذا مانلتزم به في حزب التجمع، بحيث لا يزيد علي مدتين تولي أي منصب في الحزب، ليبقي الكبار علي عنينا ورأسنا لكن يجب أن تتاح الفرصة لتغير دماء القيادة بالشباب لأنه بدون الشباب، لا يمكن أن نضمن المستقبل. اما بالنسبة لمسألة قدامي الحزب الحاكم أو الحزب القديم فيه، فالقصة مختلفة، لأن هناك مغانم وأخطاء وافتقاداً للشفافية، ومن هنا يتشبث الانسان بموقعه ويدافع عنه باستماتة خوفا من المساءلة وحرصا علي عدم فقدان المنفعة، وخشية ان ينتقم منه من يأتي بعده، والنماذج أحيانا قد تكون صعبة، لكن علي أية حال هذا هو مصير بعض القيادات، فأين ذهبت؟ وكيف تعامل الآن هذا؟! هو الحال في مصر، لأن النظام المصري يمنح المسئولين مهابة قد لا يستحقونها، وعندما يتركون المنصب يمنحهم احتقارا، فكل شيء عندنا مرتبط بالسلطة والمسئولية ومرتبط بالمغانم وخلافه. ورغم هذا وذاك، الا ان الحرس القديم في الحزب الوطني مازال متماسكاً، خاصة وهناك من بينهم من يدافع عن الجدد مثل الدكتور "علي الدين هلال" الذي يعتبر جزءا من الكتيبة القديمة، ويدافع عن المجموعة الجديدة. فالسلطة في مصر متمركزة، ولا أعتقد أن حل مجلس الشعب مسألة ليس مسموحاً لأي شخص أن يعبث بها، لأن في مصر كل شيء بيد الرئيس، ولا يمكن لأحد أن يصرح بأي شيء. يعّدون العّدة وحيد الأقصري - رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي - قال: عادة ما يعمل الرئيس الجديد في أي دولة كانت علي تغيير الوجوه القديمة، واستبدالها بما يتلاءم وشخصيته وأهدافه ومتطلبات المرحلة التي يريد فرضها، خاصة في الدول النامية والخالية من مؤسسات دستورية حقيقية تمتلك اتخاذ القرار، ويكون الرئيس مجيبا لقرارات تلك المؤسسات. أعتقد إذا حدث تغيير للسلطة، فهناك تغيير للوجوه مع الإمكان في استبقاء البعض، لكن في حالتنا هذه، فإن الذين يعملون منذ أكثر من 30 عاما لابد من احالتهم الي المعاش، لأننا نعيش في دولة تعتمد علي حكم الفرد وديكتاتورية الحكم، وليست الديمقراطية الحقيقية، بل نظام الحزب الواحد، والقرار الأوحد والنهائي للرئيس. ذلك كله يؤكد انه عندما تتغير السلطة يتغير كل شيء، فالذين يخدّمون علي السيد أو الحاكم، لا يملكون اتخاذ أي قرار علي الإطلاق، بل كانوا ينفذون ويحللون ويبررون ويعللون كل ما يتخذه الحاكم أمام الشعب حتي لو كان ضد إرادتهم، فالمجموعة القديمة أمثال د. سرور والشريف والشاذلي وغيرهم كان لهم وضع وسيكون لغيرهم وضع آخر وهم يعرفون هذا ويجهزون ويعدون العدة.. فالفرسان هم الذين يذوقون المرار ويتحملون مآسي التاريخ، وهؤلاء ليسوا منهم لأنهم لم يقدموا شيئا للشعب سوي الآلام والفساد، ولم يشغلهم سوي المناصب الزائلة. مصالح شخصية لكن الدكتور "محمود جامع" الصديق الشخصي للرئيس الراحل أنور السادات أكد وجود حالة من عدم الاستقرار في البلد، فالجميع تركوا القضايا الرئيسية والمشكلات الموجودة، وتفرغوا للمصالح الشخصية ومناصبهم وكراسيهم، ولهذا فالجدد سيستأصلون القدامي وكل أذنابهم ليقفزوا علي المناصب، فلن يبقي رئيس مجلس الشعب ولا أمين الحزب الحاكم، بل سيختفون ويحتل آخرون مكانهم بعد انتقال السلطة.. لأننا تعودنا في مصر أن آخر خدمة الحكومة إبعاد واقصاء وركنة، فجميعهم - أقصد القدامي - ساروا في ركاب السلطة وتلونوا من كل تيار. فمثلاً صفوت الشريف كان في الاتحاد الاشتراكي ثم اصبح حالياً أمين عام الحزب الوطني ورئيس مجلس الشوري وقس علي ذلك الكثير من النماذج التي عاصرت وتعايشت مع كل الحقب الزمنية، ولم يعد لديهم جديد ولا قديم، وما يحدث من تغيير هو سنة الحياة، ويجب ان يضع كل من يتولي المسئولية مهما كان موقعه ذلك في اعتباره. وصلوا للتشبع وأشار محمد أنور عصمت السادات - وكيل مؤسسي حزب الاصلاح والتنمية - إلي أن النظام الحاكم في المرحلة المقبلة سيحتاج الي هذه الفئة من كبار السن، الي أن يتم "التوريث" وتستقر الامور، وبعدها يمكن الاستغناء عن هؤلاء، لأن دورهم سيكون قد انتهي، وسوف تتسم تلك المرحلة التي سيتم توجيه الشكر فيها للقدامي بالهدوء بمعني أن النظام الحاكم لن يحاسب هؤلاء فلا يسألهم ولا يسألونه، وفي هذه الحالة فإن القدامي سيكونون سعداء بهذه المعاملة، لأنهم وصلوا الي مرحلة التشبع، ووصلوا أيضا من الكبر عتيا، وسوف يقضون ايامهم الباقية في ترف وسعادة، وعندهم ما يضمن لهم ذلك. وأضاف: أن تاريخ هؤلاء أو بالأحري بعض منهم كانوا دائما لديهم القدرة في التعامل مع كل العهود والأنظمة، ولهم قدرة فائقة علي التلوين والتغيير، ولم يصلوا الي ما وصلوا إليه من فراغ، لكنهم من ذوي القدرات والمواهب الفائقة، وإلا ما استطاعوا الحفاظ علي ما وصلوا إليه، ولا علي مواقعهم.. ولا شك أن دور هؤلاء في المرحلة الجديدة سيتواري. متحف فاروق العشري - أمين التثقيف وعضو المكتب السياسي للحزب الناصري - يري أن الحرس القديم سوف يبحثون له عما يشبه المتحف حرصا علي مسألة التواصل بين "مبارك ونجله الوريث المنتظر"، لتكتمل حلاوة الصورة، لأن سياسات العهد الجديد ستكون استكمالا وتعميقا لممارسات عهد "مبارك" في كافة المجالات، ولا شك أن حكومات العهد الجديد سوف تكون علي نفس المسيرة التي تسير عليها حكومة نظيف. ولا شك أن الحرس القديم أدي المطلوب منه بكفاءة عالية، من تنفيذ للسياسات التي ارتبطت بها مصر، والتي تعبر عنها لجنة السياسات، سواء بتعويم الجنيه أو رفع سعر الطاقة واتفاقية الكويز، والاتجاه الي إلغاء الدعم وفي رأيي هناك استكمال لهذه المسيرة، فالحرس القديم بالنسبة لحرس المستقبل والذي ينافسه بضراوة لفرض ارادته، قد قام برسالة ونفذ السياسات المطلوبة من مصر في الداخل والخارج، ولذلك فالحرس القديم رحمة به بعد استنفاده لدوره المطلوب سوف يتم تقديره بشكل او بآخر بوضعه في المتحف المقترح، لأنه لم يعد قادرا علي التوافق مع توجهات باقي المرحلة المنتظرة، حيث إن المطلوب سوف يغير هوية المنطقة تماما وعلي رأسها مصر وسوف تكون اسرائيل شريكا جوهريا في كافة مجالات النشاط الداخلي والخارجي. وفي تقدير جيل المستقبل الكامل والسلطة الحاكمة، أن الحرس القديم لن يستطيع ان يدافع وينفذ المطلوب، ولن يكون جيل المستقبل ملتزما بالشعارات التي رفعها وتمسك بها الحرس القديم، مثل العروبة ورفض التطبيع الثقافي مع اسرائيل، ولهذا أصبح من الضروري إبعاد الحرس القديم عن السلطة. صراع علي مناصب يري نبيل عبد الفتاح الخبير السياسي بمركز الاهرام للدراسات أنه لا توجد في الأساس تقاليد أو قواعد لادارة الصراع السياسي الداخلي، او في الممارسة الديمقراطية لعملية اتخاذ القرار وادارة التناقضات الداخلية، وبالتالي فالحزب الوطني باختلاف هياكله القيادية، أو القاعدية، ما هو إلا أداة في ايدي القادة ذوي القوة والنفوذ في داخل المؤسسات السياسية للنظام وعلي رأسها الرئيس "مبارك" ولولاه لانفرط عقد هذا الحزب في لحظة، ولا يجرؤ واحد من القادة الكبار والصغار الذين يريدون المراكز في الحزب أن يمارس أي عمل سياسي باسم ايديولوجيا الحزب الحاكم. إذن نحن أمام تعبير عن ظاهرة شخصنة السلطة التي استمرت منذ 23 يوليو 1952 حتي هذه اللحظة الانتقالية فعلا في تطور النظام السياسي التسلطي. ويضيف قائلا: من هنا نستطيع أن نقرر ان الصراعات الظاهرة والمستترة بين قادة الحزب من يسمون بالجيل الشاب رغم أن بعضهم وصل الي الخمسينيات والستينيات من العمر، وبين الحرس القديم من الشيوخ والعواجز ويصل عمر الأغلبية منهم الي منتصف ونهاية السبعينيات، والمعروف في الأنظمة الحزبية المقارنة ان غالبية هؤلاء عليهم أن يتقاعدوا ويستمتعوا بحياتهم وحصاد ما جمعوه طيلة سنوات عمرهم من خبرات وادخار. ولكن فيما يبدو أن الوضع المصري بالغ الاستثنائية في تاريخ أحزاب العالم كله، حيث نعاني من حالة الشيخوخة السياسية للدولة والنظام السياسي والنخبة الحاكمة وغيرها، بحيث لا نستطيع أن نجد أجيالاً شابة حقيقية تمثل تيارات سياسية واجتماعية، في النظام الاجتماعي في البلاد، وانما نجد مسرحية سياسية تدار عن القمة الحزبية، حيث يتصارع مجموعة من الشيوخ والشباب ولا يستند غالب المتصارعين من شيوخ الحزب وشبابه علي قاعدة اجتماعية وجماهيرية تستطيع دعمه وتأييده في أي خلاف سياسي، وانما الغالبية منهم تعتمد علي القرارات الصادرة بتعيينهم في المواقع القيادية العليا للحزب الحاكم. إذن الصراع ليس سياسيا، وانما بين اشخاص علي مراكز القوة داخل النظام وليس الحزب. ونستطيع ان نقول، لن يحسم هذا الصراع الا القيادة السياسية العليا في البلاد، وهو الذي يستطيع بقرار وبكلمة ابعاد اي شخص يعتقد انه يمثل مركز قوة داخل النظام، كما أن ترجيحات الرئيس هي التي ترجح فريقا علي آخر، وإذا انتصر جناح الشباب والذي يدير اعماله التنظيمية "أحمد عز" ففي هذه الحالة يمكن أن تحدث تغييرات متوقعة تشمل قيادات داخل الحزب الحاكم، وهذا ما ستكشفه الانتخابات البرلمانية القادمة. ويختم نبيل عبد الفتاح حديثه قائلا: اعتقد أن حالة التساكن ستستمر بين الحرس القديم والجديد الي حين اجراء انتخابات الرئاسة 2011، ووقتها سوف يقوم النظام المصري بتقديم المكافآت الشكلية من خلال اطلاق بعض الألقاب، واعطاء بعض النياشين والمناصب غير المؤثرة لمجموعة الكبار التي سينتهي دورها وتحال الي المعاش السياسي قريبا، بعد أن تأخر ذلك كثيرا.
0 comments :
إرسال تعليق