الوفد
بقلم: أنور عصمت السادات
العرض الشيق لبرنامج الخصخصة الجديد الذي اتفق عليه الحزب الوطني الديمقراطي مع الحكومة بخلطة سحرية وباركه السيد أمين السياسات بالحزب، والذي أكد أن الناتج المادي لبيع بعض شركات القطاع العام سيوزع علي 41 مليون نسمة فوق سن الواحد والعشرين علي هيئة صكوك متضمنة الأسهم المجانية، أما القصر فلهم »صندوق الأجيال القادمة« الذي سيوفرون له الدعم من موارد الدولة لتوجيهها وعائداتها في مشروعات تنموية، وشددوا في طرحهم الجهنمي أن ذلك في مجال الرعاية الاجتماعية للأجيال القادمة.. وهل هذا معقول؟! وما هذا الضمير الذي استيقظ فجأة من سباته العميق لإعطاء كل ذي حق حقه.. وأين كان هذا الضمير وهذا الحنان الحكومي في ارتفاع فواتير الكهرباء وغلاء المعيشة وإهدار ثرواتنا؟! لا يسعني الآن إلا تقديم عظيم التهنئة لمؤلف الفيلم الكوميدي الهزلي »عايز حقي« وقد أثبتت الأيام توقعاته المستقبلية بأنه سيأتي يوم توزع فيه صكوك الملكية الشعبية المجانية علي المواطنين والذي يئن الغالبية العظمي منهم من الفقر والعوز وسينتهي بهم الأمر لبيعها بأي مقابل مادي ولو بثمن بخس ليؤمنوا لأسرهم معيشة يومهم دون النظر للغد كما اعتادوا في الحقبة الأخيرة، لأن تأمين غدهم يعتبر رفاهية لا يقدرون عليها. إن من المثير للدهشة فعلاً هو نداء الحكومة للمواطنين الآن من أجل المشاركة في إدارة أصول الدولة رغم أنهم محرومون في الأساس من المشاركة في إدارة شئون الدولة أو حتي من التعبير عن إرادتهم الشعبية لتكون حكوتنا هي المهيمنة علي كل شيء في إدارة شئون الدولة وإدارة ثرواتها وتكون النتيجة تزوير في الانتخابات ومنع الترشيحات وتسخير الدستور وجهات الأمن وأي شيء لذلك. إن هذه الفكرة باءت بالفشل تماماً عندما حاولت بعض دول أمريكا اللاتينية تطبيقها ونتج عن ذلك آثار عكسية أضرت ضرراً بالغاً باقتصاديات تلك الدول وسلوكيات مجتمعاتها فأدركوا خطورة الخصخصة علي مستوي معيشة الفرد ونوعية الخدمات المقدمة له والأعجب أن دولاً صناعية متقدمة أدركت هذا كالمملكة المتحدة وروسيا. إن الرأسمالية العالمية تتخلي عن دعائمها ولديها العديد من الأساليب والسياسات المتغيرة، وحزبنا الحاكم مازال يتمسك بتلك الدعائم والتي ثبت بالدليل القاطع عدم صحتها وجدواها لأنها فشلت في الدول الرأسمالية ذاتها وفي المقابل نجد دولاً عدة حققت معدلات النمو بامتلاكها النسبة الأكبر من أصولها مثل الصين والهند، بالإضافة إلي تجربة ماليزيا المذهلة.. إن هناك تساؤلات حائرة من فقهاء الاقتصاد.. هل ستضطر الدولة إلي بيع أصول أخري لدعم هذا التوجه وجميعنا يعلم أن قناة السويس وشواطئ البحار وبحيرة ناصر والسكك الحديدية والمترو وحتي آثار مصر هي من الأصول المملوكة للدولة؟! وهل ستكون مشاركة المواطنين في إدارة أصول الدولة في الشركات الخاسرة أيضاً؟! ولماذا لم تدعنا الحكومة من قبل للمشاركة في الشركات التي حققت أرباحاً مذهلة؟! وهل من العدالة الاجتماعية أن يحصل الأغنياء علي نفس النسبة من الصكوك التي يحصل عليها الفقراء؟! إن نتيجة الأخذ بهذه الأفكار الشيطانية تستلزم بالتبعية إلغاء الدعم عن المحتاجين وإلغاء مجانية التعليم والتأمين الصحي لأن كل فرد حصل علي حصته وقد عودتنا حكومتنا الذكية أن ما تمنحه بيد تحصل عليه أضعافاً مضاعفه باليد الأخري.. فلترحموا الفقير الذي سيزداد فقراً.. أرجو من الحكومة والحزب الحاكم أن يتراجعوا عن هذا البرنامج المهين ووقف سياسة الخصخصة أياً كان شكلها وإلا سيعيد التاريخ حكاية »عواد باع أرضه«.
و نشرت ايضا فى
الديار بناريخ 26-11-2008
0 comments :
إرسال تعليق