الدستور
جمال عصام الدين
مازالت أصداء يوم جلسة الافتتاح الإجرائية التي عقدها مجلس الشعب يوم الأربعاء الماضي تتردد في كل مكان. الحزب الوطني الذي تتشدق قياداته بأنه لا يسعي للاحتكار السياسي عاد وصمم علي احتكار جميع المقاعد الرئيسة في مجلس الشعب علاوة علي هيئات مكاتب لجانه الـ 19.
لم تشفع جميع محاولات كتلة النواب المستقلين والمعارضة في تغيير الأمر الواقع بحيث يكون هناك تمثيل لها في اللجان حتي ولو كان تمثيلاً بسيطاً وبالتوافق مع قيادات الحزب الوطني. قبل بدء الجلسة الإجرائية لمجلس الشعب يوم الأربعاء الماضي ذهبت مجموعة منتقاة تمثل نواب المستقلين والمعارضة إلي الدكتور فتحي سرور في مكتبه وحاولت هذه المجموعة تذكيره بالوعد الذي قطعه علي نفسه بأن يكون هناك بعض التمثيل لقيادات المعارضة والمستقلين في لجان المجلس وبما يعكس حقيقة وزنهم داخل البرلمان والمتمثل في الاستحواذ علي 25% من المقاعد وأيضا بما يعكس وجود حالة من التغيير الديمقراطي أمام العالم الخارجي وأخيراً بما يعكس أيضاً صحة ما تردده قيادات الحزب الوطني - خصوصاً في المؤتمر الأخير للحزب - من أن الحزب لا يسعي إلي احتكار الحياة السياسية والحزبية في مصر. لكن خاب أمل المجموعة التي زارت الدكتور فتحي سرور صباح يوم الأربعاء الماضي حيث فوجئوا به يرد عليهم مبيناً أنه لا يملك من الأمر شيئاً وأنهم لو أرادوا أن يكون لهم بعض التمثيل في لجان مجلس الشعب علي أساس قاعدة «التوافق» فعليهم التوجه إلي المهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب وطلب ذلك منه رسمياً لأنه حسب تعبيرات الدكتور سرور التي نقلها لنا أحد النواب الذين حضروا الاجتماع فإن المهندس أحمد عز هو الوحيد الذي يملك ذلك. وكان الدكتور سرور قد أوضح هذا الرد نفسه مع مجموعة من النواب المستقلين والمعارضة في اجتماع عقده معهم يوم الخميس 6 نوفمبر حيث ذكر أنه يؤمن بأن يكون هناك تمثيل لبعض نواب المعارضة والمستقلين في هيئات مكاتب مجلس الشعب لكن الحقيقة تبقي أن هذا الأمر في يد قيادات الحزب الوطني. لكن أمام إلحاح نواب المعارضة والمستقلين وعدهم الدكتور سرور بالتحدث مع قيادات الحزب الوطني في هذا الأمر وعلي أساس أنه كان رئيساً للبرلمان الدولي ويعرف أن في الدول الديمقراطية لا يسعي الحزب الفائز في الانتخابات إلي احتكار جميع مقاعد هيئات البرلمان وأنه غالباً تكون هناك مقاعد للمعارضة والمستقلين بما يعكس وزنهم داخل البرلمان وحتي لا تتهم الأغلبية بأنها تمارس الاحتكار البرلماني والسياسي وأنها تتعامل باستعلاء وتجاهل مع الأقلية.
كانت كتل المستقلين والمعارضة لديها أمل أخير قبل الجلسة الإجرائية الافتتاحية يوم الأربعاء 12 نوفمبر أن ينجح الدكتور سرور في مساعيه وأن تغير قيادات الحزب الوطني من رأيها عندما اتضح أن الأمور كلها تسير عكس ذلك وقام الحزب الوطني بتعليق قوائم اللجان علي مباني المجلس وتبين أنها كلها ترفع شعار «لا للتغيير ونعم للاحتكار» اتخذت الكتلة قرارها النهائي بمقاطعة التصويت علي انتخاب سرور والوكيلين علاوة علي مقاطعة انتخابات هيئات لجان مجلس الشعب والتي كانت أشبه بتعيينات وليست انتخابات.
وقامت كتلة المستقلين والمعارضة بتوزيع بيانها الذي عبرت فيه عن أسلوب الحشد الذي مارسه أحمد عز أمين التنظيم مع أعضاء الحزب الوطني في بعض اللجان لمواجهة أعضاء المعارضة والمستقلين لحين انتهاء انتخابات اللجان ثم إعادة توزيعهم مرة أخري وهو ما يتنافي مع أي أسلوب ديمقراطي ويبين هدف الأغلبية في الاستحواذ والإقصاء والاحتكار.
علي أن سلسلة المفاجآت التي واجهت قيادات كتلة المستقلين والمعارضة لم تقتصر علي هذا فقد انبري النائب المستقل والصحفي «مصطفي بكري» وقام من مقعده وقاد عملية تصفيق حاد للدكتور سرور عندما أعلن عن ترشيح نفسه لرئاسة مجلس الشعب وكان هو الوحيد الذي فعل ذلك من بين صفوف المعارضة والمستقلين. ولم يكتف النائب «بكري» بذلك بل قام بعدها بإلقاء قصيدة مدح في الدكتور فتحي سرور. كل هذا لم يكن مفاجأة لكتلة المستقلين والمعارضة لكن المفاجأة كانت في اختيار «بكري» في لجنة القيم للعام الثاني علي التوالي.
كما كانت المفاجأة في اختيار «كمال أحمد» النائب «الناصري» قديماً والمستقل عن دائرة العطارين بالإسكندرية في اللجنة العامة لمجلس الشعب وذلك للعام الثاني علي التوالي. وهنا كان اعتراض النائب «الإخواني» حسين إبراهيم علي هذه الاختيارات وعلي أساس أن «بكري» و«كمال أحمد» ليسا «مستقلين أصلا». وكانت كتلة المستقلين والمعارضة قد عبرت في بيانها عن أسلوب «القرعة» التي يجريها مكتب المجلس لاختيار بعض الأعضاء في بعض اللجان ووفقاً للائحة - كما قالوا - يجب أن تتم بعلانية وشفافية وليس بطريقة سرية وموجهة. كما عبرت الكتلة عن استهجانها في أن يقوم ما يسمي بحزب الأغلبية بمصادرة حق المستقلين في اختيار ممثلهم في جرأة علي سلب الحقوق عجيبة.
والمعروف أن كتلة المستقلين والمعارضة لا تعتبر «بكري» و«كمال أحمد» من المستقلين الحقيقيين. كمال أحمد في السنوات الأخيرة انطفأ بريقه كثيراً كنائب معارض وهو إما في حالة غياب عن المجلس أو حالة انضمام لوفود المجلس المسافرة للخارج. أما «بكري» فرغم شراسته في الهجوم علي أحمد عز والسياسات الاقتصادية للحزب الوطني بقيادة يوسف بطرس غالي وزير المالية إلا أنه لم يعرف عنه معارضة الأجندة السياسية للحزب الوطني داخل مجلس الشعب. بل إن هناك من يري من المستقلين والمعارضين أن «بكري» تم استخدامه لصالح الحزب الوطني في بعض المواقف مثل التشهير بالنائب محمد أنور عصمت السادات وإلقاء بيان حول معاملاته المالية استغلها الحزب الوطني فيما بعد لإسقاط العضوية عنه.
وعموماً فإن هجوم البيان الذي وزعته كتلة المستقلين والمعارضة علي نظام القرعة وإهدار حق المستقلين في اختيار ممثلهم لم يكن موجهاً فقط ضد الحزب الوطني ولكن كان في حقيقته موجهاً أيضاً ضد الدكتور سرور.
فإذا كانت كتلة المستقلين والمعارضة قد رأت أن حرمانها من التمثيل في هيئات لجان مجلس الشعب يعود لسياسات «الاحتكار» التي يمارسها الحزب الوطني وقياداته خصوصاً أحمد عز فإن الإصرار علي نظام «القرعة» وإهدار حق المستقلين في اختيار ممثلهم بالانتخاب تعود مسئوليته إلي الدكتور سرور شخصياً، فالكتلة التي كانت تعتقد أن الدكتور سرور يمكن أن ينصفها ويتحدث مع قيادات الحزب الوطني من أجل السماح لبعض أعضائها من خلال التوافق بتولي مناصب في لجان مجلس الشعب هو نفسه الدكتور سرور الذي يهدر حقها في اختيار ممثلها بالانتخاب. وهنا كانت المواجهة المثيرة التي شهدتها الجلسة المسائية لمجلس الشعب يوم الأربعاء الماضي بين النائب «الإخواني» حسين إبراهيم والدكتور فتحي سرور. طلب «حسين إبراهيم» الكلمة بموجب المادة «21» من اللائحة وأشار إلي أن قرار كتلة المستقلين والمعارضة مقاطعة التصويت كان هدفه إرساء تقاليد ديمقراطية «لكن الرجاء في الأجيال القادمة» أن تحقق هذه الديمقراطية.
ثم تساءل حسين إبراهيم عن كيفية تشكيل اللجنة العامة للمجلس التي تضم ممثلا للمستقلين.
قال حسين إبراهيم: «أي حد من الزملاء المستقلين جدير أن يمثلهم لكن نفسنا نرسي مبادئ.. هؤلاء المستقلون الذين اختيروا سواء في اللجنة العامة أو لجنة القيم والمقصود كمال أحمد ومصطفي «بكري» ليسوا مستقلين أصلا» فلماذا لا ينتخب المستقلون ممثلاً لهم.. لماذا هناك حساسية من تيار معين؟ فهل هناك قرار بإقصاء هذا التيار؟ ثم أشار حسين إبراهيم إلي المادة 25 من اللائحة والخاصة بتشكيل لجنة القيم والتي تنص علي أن خمسة من أعضاء هذه اللجنة يختارون بالقرعة.. وهنا تساءل «طول عمرنا ماشفنا هذه القرعة والغريب أن هذه القرعة بافتراض إجرائها هل لا تأتي مرة واحدة لصالح نائب من الإخوان؟ وهذا أمر يثير العجب فعلاً» ومضمون كلمات حسين إبراهيم هو «ما هذه القرعة الهزلية التي لا يراها أحد وتتم في الخفاء والتي لا تأتي إلا بنواب الحزب الوطني أو بعض المستقلين «الدلاديل» للحزب أو التي لا تأتي سوي بكمال أحمد ومصطفي بكري؟» ثم طلب حسين إبراهيم من الدكتور فتحي سرور أن تتم القرعة بصورة علنية وبكل شفافية وليس بصورة سرية. وهنا كان رد الدكتور سرور الذي أوضح أن حسين إبراهيم قد أثار ثلاث نقاط وكلها تحتاج إلي توضيح. أولاً: قال الدكتور سرور إن اختيار ممثل المستقلين بالانتخاب مخالف للمادة 21 والتي تنص علي أن مكتب المجلس هو الذي يختار عضو المستقلين. وهنا دعا الدكتور سرور النائب حسين إبراهيم إلي التقدم باقتراح بتعديل لائحة المجلس بحيث يكون اختيار ممثل المستقلين بالانتخاب وطبعاً الدكتور سرور وكل المجلس يعرف أنه لو تقدم أي نائب من غير الحزب الوطني وبناء علي أوامره بمثل هذا الاقتراح فسيتم رفضه أو تجميده فوراً. كما رد الدكتور سرور وقال حول الطلب الخاص بأن تتم القرعة بصورة علنية فأشار إلي «أنه جرت حسب تقاليد المجلس أن يقوم مكتب المجلس بإجراء هذه القرعة بصورة سرية» هنا لم يكن رد الدكتور سرور مستنداً إلي مواد في اللائحة أو الدستور لكن إلي ما سماه «التقاليد البرلمانية» ولكن السؤال يبقي هل لو كانت هذه التقاليد غير ديمقراطية فتحت أي مبرر يتم التمسك بها؟ المفترض أن يبادر مكتب المجلس لو كان يؤمن حقاً بالديمقراطية ويجري هذه القرعة بصورة علنية حتي ولو كانت هناك تقاليد برلمانية.
ثم عاد النائب حسين إبراهيم للمشاكسة فأشار في تعجب إلي أن القرعة التي أجراها مكتب المجلس العام الماضي جاءت بنفس الأسماء في لجنة القيم وعلي غرار نفس القرعة التي أجراها العام الحالي، وهذا عجيب فعلاً وتساءل «أي قرعة هذه التي تأتي بنفس الأسماء في عامين متتاليين؟».
ثم طلب الدكتور جمال زهران الكلمة بموجب المادة 96 من اللائحة فعبر عن وجهة نظر كتلة المستقلين والمعارضة في أن بناء التحالفات داخل البرلمانات جزء من الممارسة الديمقراطية. ولفت نظر الدكتور سرور إلي أنه كان رئيساً للبرلمان الدولي وأنه يعرف هذه التحالفات والكتل داخل البرلمانات المحترمة من خلال طريقتين أشهرهما طريقة التوافق حتي يتم منع احتكار اللجان واستغلال الأغلبية العددية في الاستيلاء علي مقاعد البرلمان ولجانه بالكامل. وأشار إلي وجود هذا التوافق في برلمانات اليمن والبحرين وتونس والمغرب ولبنان. «وتساءل جمال زهران» حتي الآن لا نعرف من ينتمي للحزب الوطني ومن هم غير أعضاء فيه من النواب ويجب أن توضح مضبطة المجلس جميع أسماء هذا الحزب داخل المجلس تنفيذاً للائحة».
والحقيقة أن تجاهل الرد علي كلام الدكتور جمال زهران. ثم انطلق في سرد أسماء أعضاء اللجنة العامة ولجنة القيم واللجنة التنفيذية للمؤتمرات الدولية. وفي سرده لهذه اللجنة الأخيرة ولجنة الموتمرات ذكر الدكتور سرور اسم النائب الإخواني «عبدالفتاح حسن» باعتباره مستقلاً «ومن الإخوان» وتوجه ناحية حسين إبراهيم قائلاً: أهو واحد منكم علشان تنكسفوا». والمعروف عن النائب عبدالفتاح حسن أنه نائب إخواني معتدل وقد تم اختياره في لجنة المؤتمرات لأنه يجيد التحدث باللغات وهو حاصل علي ليسانس كلية الألسن في اللغة الإيطالية وهو نائب عن مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية.
0 comments :
إرسال تعليق