إبراهيم يسرى:اتفاقية بيع الغاز لإسرائيل باطلة
السفير إبراهيم يسرى السفير إبراهيم يسرى
حاوره محمود سعد الدين
السفير إبراهيم يسرى حاصل على لقبين، أحدهما لقبه به عبد الناصر وهو "السفير المشاغب"، والآخر لقبه به المواطنون و"سفير الشعب"، وبين اللقبين رحلة استمرت 38 عاماً فى مجال العمل الدبلوماسى سفيراً للبلاد فى الخارج، ومنذ خروجه على المعاش عام 1995، لم يبتعد عن ساحة العمل السياسى، فاشترك فى جميع "جروبات الفيس بوك"، وأسس حملات شعبية على شبكة الإنترنت أولها "لا لنكسة الغاز".
إبراهيم يسرى مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة القانون الدولى والمعاهدات الدولية الأسبق، لم يتوقف عند النضال الشعبى على الفيس بوك، بل قام برفع دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، ضد وزارة البترول ورئيس الوزراء ووزارة المالية، لإلغاء صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، اليوم السابع التقى به، وكان الحوار التالى....
الكثيرون اهتموا بالاحتجاجات والمظاهرات، لماذا كنت أول من سلك الطريق القانونى؟
لأنه فى الوقت الذى تلتف فيه الحكومة بوسائلها المتعددة لنزع اللقمة من فم الفقراء ومحدودى الدخل، بزيادة الأسعار والتهديد برفع الدعم عن السلع الأساسية، وما وصلنا إليه من زيادة نسبة التضخم حسب معدلات البنك المركزى 23%، يفاجأ الشعب المصرى بتصدير الغاز المصرى لإسرائيل بأبخس الأثمان وبكميات مهولة ليعكس "سفهاً" وتبديداً للثروات والموارد الطبيعية، ولكونى سفيراً سابقاًَ زرت العديد من البلاد بثقافات مختلفة وأنماط فكرية مختلفة، ورأيت كيف يتعاملون مع ثرواتهم ،سواء كانوا مسئولين أو مواطنين عاديين، فكان لابد من وقفة قانونية.
وما هو رأيك القانونى فى اتفاقية الغاز؟
مذكرة التفاهم التى وقعت فى يونيو2005 بين وزير البترول المصرى سامح فهمى ووزير البنية التحتية بنيامين بن إليعازر، فى حضور رئيس الوزراء أحمد نظيف، تتعهد فيها مصر بتوريد الغاز الطبيعى لإسرائيل بسعر مخفض للغاية لا يتجاوز 1.25 دولار لمدة 15 سنة، وفق أسعار تفضيلية ثابتة لا تخضع لآليات السوق وتحركات الأسعار، فى حين أن قيمته السوقية حالياً تزيد على 12 دولاراً، وحيث إن هذه المذكرة لا ترقى إلى المعاهدة الدولية ويلحقها البطلان المطلق وفقاً لأحكام المادة 151 فقرة 2 من الدستور، فالشعب المصرى له الحق فى التعرف على ثروات بلده الطبيعية.
إلى أى مدى يمكن أن نقبل ادعاءات الحكومة بسرية الاتفاقية؟
لا يمكن قبول ادعاءات الحكومة بأن الاتفاقية سرية، لكن ما يمكن قبوله بأن السرية كانت واجبة لإتمام الصفقات لرجال الأعمال وإعطاء العمولات والتربح من وراء إهدار الثروة المصرية، وواجب سريتها أيضاً لإصدار القرار رقم 100 لسنة 2004 الذى يحتوى على بنود الاتفاقية لم ينشر بالجريدة الرسمية، والتى طلب أعضاء مجلس الشعب الاطلاع عليها ورفضت الحكومة.
إذن لماذا تم الأمر بهذه السرية؟
الحكومة لم تكشف عن هذا القرار حتى لا تعترف بأكبر فضيحة فى إهدار ثروات البلاد من أجل مصلحة رجال الأعمال، فصفقة البيع التى استفادوا منها، تمت طبقاً للقرار رقم 100 لسنة 2004، فى تفويض المهندس محمد إبراهيم الطويلة رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للغاز الطبيعى والمهندس إبراهيم صالح محمود رئيس الهيئة العامة للبترول كبائعين للغاز الطبيعى المصرى للتعاقد مع شركة شرق المتوسط، وصاحبها حسين سالم رجل الأعمال الشهير والقريب من السلطة فى أن يقوم هو ببيع 7 مليارات متر مكعب لإسرائيل، وهذه الصفقة يربح من ورائها سالم يومياً 2.5 مليون دولار، فى حين تخسر الدولة 9.5 ملايين دولار يومياً.
هل ترى أن الدولة لديها سند قانونى يحميها فى هذه الاتفاقية؟
الدولة لا تعبأ بالقانون، والحكومة المصرية تمارس "بلطجة القوانين".
ما الذى تقصده ببلطجة القانون؟
الدولة لا تطبق القانون، فالقانون الأساسى فى مصر هو انتهاك القوانين، فهناك ما لا يقل عن 15 مادة دستورية عن احترام مصالح الشعب والحفاظ على الموارد والثروات الطبيعية لم تحترمها الدولة، بالإضافة إلى عدم عرض الاتفاقية على مجلس الشعب يبطلها، حيث إن أى اتفاق يترتب عليه التزامات مالية ينبغى عرضه على المجلس لإقراره، ومن ثم يصدر رئيس الدولة قراراً بالموافقة لاحقاً، وحجتهم بأن الاتفاقية كانت مجرد مذكرة تفاهم بين وزيرين لا تستوجب العرض على البرلمان، هو أمر يخالف اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية، والتى وقعت عليها مصر وأصبحت جزءاً من تشريعاتها المحلى، فرغم كل هذا بدأ بالفعل تصدير الغاز لإسرائيل فى مايو2008 بعد شهرين من اختبارات ضخ الغاز فى أنابيب بدأت فى أواخر فبراير 2008.
كيف ترى حدود الخسارة من جراء هذه الاتفاقية؟
بعيداً عن أن تصدير الغاز المصرى لإسرائيل، هو مخالفة لفطرة الإنسان العربى والمصرى الذى ضحى بدمائه حتى يحمى أرضه وثرواتها، يكفى أن نعرف أن مصر لوحدها قدمت 100 ألف شهيد خلال حروبها مع إسرائيل حسب الأرقام الرسمية، وبعيداً عن أن إسرائيل تطور سلاحها النووى لتتصدى لنا، إلا أن الخسائر المادية الفادحة التى تصل لـ 9.5 ملايين دولار يومياً، وبخلاف خروج خط أنابيب البترول من حقول الغاز بالدلتا إلى العريش تبلغ تكلفته 469 مليون دولار، تكبدتها الخزانة المصرية، وكفى أن الشعب الإسرائيلى كان يعد لعمل حفلة بمناسبة تصدير الغاز المصرى لهم.
ما هى أكبر المفارقات فى القضية؟
أكبر المفارقات أن خط أنابيب الغاز من العريش لعسقلان بطول 1000كم هو نفسه الخط الذى سار عليه آلاف الجنود المصريين فى حربهم ضد إسرائيل ومات منهم الكثير.
أما المفارقة الثانية هى سابقة لم تحدث من قبل، وفى إجراء غير معهود أن تتلقى فيه شركة مصرية وهى "جاز شرق المتوسط" خطاباً من رئيس الوزراء المصرى، يهنئه فيها ويضمن تعهدات الحكومة بإتمام الاتفاقية.
هل تعرضت لمضايقات أمنية؟
لم أتعرض لتهديدات بصورة مباشرة، لكن كلها بصورة غير مباشرة، فمثلاً السائق الخاص بى اجتمع حوله بعض رجال أمن الدولة وهددوه "بأنهم هيعملوا فيه زى ما عملوا فى عماد الكبير"، وقالوا له "السفير بتاعك ده هنوديه ورا الشمس"، بالفعل السائق لم يأتِ بعد ذلك اليوم، على الرغم من كونه معى منذ 8 سنوات متواصلة، وكل ما يأتى سائق آخر ويسمع القصة يمشى ومن هنا استطاع الأمن أن يشل حركتى.
ما هى أوجه التضامن الشعبى معك؟
ما يقرب من 40 ألف متضامن فى حملة "لا لتصدير الغاز"، والعديد من رجال القانون وأعضاء مجلس الشعب مثل حمدين الصباحى ومحمد عبد العليم داوود وعلاء عبد المنعم وسعد عبود ومحمد العمدة ومحمد أنور السادات وجميع رؤساء الأحزاب والعديد من الحركات الشعبية والمنظمات الحقوقية، وكذلك العديد من الخبراء والمسئولين السابقين فى قطاع النفط والغاز المصرى، كما تشكلت حملة شعبية لوقف الصفقة، تضم نشطاء من قوى سياسية وفكرية مختلفة تقوم بجمع التوكيلات.
هل للأمن دور فى التعتيم على القضية؟
الأمن تدخل فى الضغط على بعض الصحف، وإن هناك خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، بخلاف منع دخول القنوات الفضائية لقاعة المحكمة فى الجلسة الماضية والعمل على إفشال عقد محاكمة شعبية لمحاكمة مصدرى الغاز المصرى لإسرائيل فى نقابة المحامين، والتى انتهت بحجة فارغة فى أن القاعة لها مفتاح والمفتاح مع العامل والعامل كان غائباً!
ما هى مطالبك فى الجلسة المقبلة للقضية؟
إلغاء قرار وزير البترول بتفويض شركات بترول عامة، فى الاتفاق على بيع الغاز لإسرائيل بسعر متدنٍ يقل كثيراً عن السوق العالمية، والتعهد بتوريد هذا الغاز لمدة 15 عاماً بنفس السعر، ما يعد خروجاً على حدود سلطة الوزير ومخالفاً للدستور والقوانين المصرية.
لكن ما نتمناه ضرورة عرض أى اتفاق جديد، تتوصل إليه الحكومة مع الجانب الإسرائيلى، على مجلس الشعب لإقراره، ولقد طلبنا من المحكمة من قبل أن تحضر وزارة البترول القرار رقم 100 لسنة 2004، وهذا هو بداية فوزنا بالقضية لأنه بداية الكشف عن الخبايا.
هل تتوقع إذا كسبت القضية أن تتوقف مصر عن تصدير الغاز لإسرائيل؟
لا، فالثقة فى الحكومة المصرية مفقودة لأنها حكومة قرارات لا حكومة تنفيذ
0 comments :
إرسال تعليق