المصريون
أنور عصمت السادات
في بدايات الستينات من القرن الماضي وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر .. ظهرت علي السطح الاقتصادي المصري كلمة المعونة الأمريكية .. وكانت في شكل برنامج تابع للأمم المتحدة هدفه النهوض بالصحة العامة لطلاب المدارس في الدول الفقيرة .. وفي أفريقيا وكانت تقدم في شكل توزيع وجبات من اللبن والخبز والمسلي ...
ولم تكن الاصطلاحات الاقتصادية الممتزجة بالسياسة العامة للدولة لها تأثير يذكر علي تلك المعونة .. بدليل أنها تمت في وقت كانت مصر فيها في قمة تأييدها للاتجاه الاشتراكي المخالف للفكر الغربي الذي تتبناه أمريكا والغرب ..وفي فترة حرجة من التاريخ الاقتصادي المصري حيث أعلنت مصر في بداية الستينات تأميم المؤسسات الاقتصادية الخاصة وجعلتها تابعة للدولة في خطوة غير مسبوقة بمنطقة الشرق الأوسط ..ومع هذا كانت المعونة الأمريكية تقدم لمصر ..
وقد تكون مصر هي الدولة الأولي في المنطقة في هذا الزمن التي كانت تحوي بؤر الصراعات الأيديولوجية .. ما بين فكر وحكم شمولي يميل الي الكتلة الشرقية وفكر آخر منفتح علي الغرب وعلي نظم الرأسمالية ( مؤسسات عبود باشا ... و شركات أخري فردية ) ومع هذا ظلت أمريكا تقدم المساعدات لمصر ..
و المعونة الأمريكية لمصر ... حديث سنوي وموسمي منذ ستينات القرن الماضي وحتي اليوم تتباري فيه الأحاديث والأقلام والمفكرين والاقتصاديين وقبلهم السياسيون في اتجاهين :
الأول رفض المعونة الأمريكية المشروطة رفضا تاما ....
الثاني الموائمة بين قبول المعونة والسياسة الخارجية المصرية للاستفادة من المعونة في المشروعات القومية ...
والاتجاهان السابقان بعيدان جدا عن حقيقة مغزى المعونة واتجاهها وقيمتها وسياستها ..
وبداية لابد أن نفرق بين المعونة الأمريكية والمساعدات الأوربية ..... وان كانا متفقين في الأتي ... إنهما مشروطتان بسياسة المانح . وانها مخصصات مالية تقر بواسطة المجالس النيابية في أمريكا وفي أوروبا .. إلا أنها - المعونات الأوربية - لها أهداف اقتصادية .... فهي تساعد دول أوربا في برامج التنمية وفي الخطط الإنمائية الإستراتيجية ...قبل ان تساعد الدول النامية ..
وعلي سبيل المثال ... منحة لإنشاء كباري من الاتحاد الأوروبي.... تكون عادة لاستهلاك تكنولوجيا علي وشك الاندثار وانتهاء الغرض منها في الإنشاء .. وأصبحت هناك طرق أخري أكثر تقدما .... فلماذا لا نقدم التكنولوجيا القديمة هذه كمنحة لا ترد للدول النامية والتي تتبع حكوماتها الديمقراطية في الحكم .... وبالتالي يكون هناك جزءا من الولاء لها نتيجة تلك المنح التي لا ترد ..
وهناك العشرات من الامثلة المشابهة .....
اما سياسة المعونة الأمريكية فهي تختلف .... فهي تقدم في صورة مخصصات مالية لأغراض دفاعية واجتماعية للدول الفقيرة .. وشروطها معروفة وإنفاقها له قواعد ..
وبداية تقدم امريكا المعونة للدول المتفقة معها في السياسة او المختلفة معها علي حد سواء ...
(وقد تعجب لهذا الخلط ... ولكنه حقيقة ..). فأمريكا كانت تقدم المعونة الأمريكية المشهورة بالقمح الأمريكي واللبن الي دول شيوعية في وسط أفريقيا في ستينات القرن الماضي ... وهي تعلم ان تلك الدول تتبع النظم الشيوعية والحكم الشمولي في سياستها ... مع ذلك فتلك المخصصات تقدم لهم .. أملا في جذب ولاء الأجيال الجديدة للفكر اليميني والرأسمالي ..
والمخصصات التي تحددها أمريكا لحجم واتجاه المعونة له ايضا أهداف إستراتيجية اقتصادية لأمريكا ... وعلي سبيل المثال ربط الدولة التي تتلقي المعونة ببرنامج المساعدات العسكرية بحجم معين من قطع الغيار ( للطائرات .. مثلا ) بضمان أمن أمريكا الاستراتيجي وسيطرتها علي
القدرات العسكرية لتلك الدول الفقيرة ...
سطحية في دراسة المعونة الأمريكية ... تلك نظرة مبسطة ، وقد تكون
والآن ما هو موقف مصر هذا العام من المعونة الأمريكية ... ومن تصريحات أمريكا بأنها خفضت قيمة المبلغ المخصص لمصر 200 مليون دولار ... لأسباب تراها ... – هي - جريمة في حق الديمقراطية ... ...هل نرفض ام نسكت أم نقبل ... ؟؟
كلها أسئلة في غير ذي موضعها .. لسبب بسيط ان الإجابة مهما كانت لن تغير شيئا في السياسة الأمريكية ...!!
آراء الكتاب والاقتصاديين الذي أدلوا بدلوهم هذا العام اتفقوا فيما يبدو- علي ان نرفض ... وان مصر بها من المتناقضات الكثير الذي لو تم تلافيه . لامكن تعويض قيمة المعونات الأمريكية ...
بعد استعراض الجزء الأول من التعليق .. هل تجد ان ما اتفق علية الكتاب في موضع يستحق ان نقول نعم للمعونة الأمريكية !! او نقول لا للمعونة الأمريكية!
وانني أري ان تفتح ملفات المعونة الأمريكية خلال الخمس سنوات الماضية . وهي فترة فيها استقرار للاقتصاد المصري واستقرار في حالة الدفاع العسكري . و في السياسة الخارجية..
ونتبع سياسة المكاشفة مع النفس ... أو الشفافية .. ونعلن أرقام تلك المعونة ومجالات الإنفاق منها ومدي استفادة مصر منها ... وبعدها يمكن ان نقول اننا مكننا أن نعوض فقد المعونة او لا نستطيع ... وكلا الإجابتين ستكون علي الملأ وأمام الرأي العام وأمام الشعب الذي فقد الأمل في ان يسمع كلاما عقلانيا وطنيا ...
اما الحديث عن السيادة والتدخل في سياستنا الداخلية والمطالبة بحقوق الإنسان والحريات .. فهو حديث جانبه الصواب من قبل حكومتنا .. لان الأصل في سيادة الدول علي أرضها هو أعمال القانون ومراعاة حقوق الإنسان والحريات ....وأين نحن من ذلك ؟
و نشرت ايضا فى
الدستور بتاريخ 14-7-2007
نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية
0 comments :
إرسال تعليق