المصرى اليوم
سينتهي هذا المهرجان " الاستفتائي " و ستطوى صفحة من صفحات المظهرية الديمقراطية ، وحتى لو أن نتيجة هذا الاستفتاء ستكون 88% للذين قالوا نعم للتغيرات الدستورية ، وحتى لو أن نسب المشاركة تعددت الـ 60% و حتى لو أن الحزب الوطني و حزب الحكومة و حكومة الحزب نجحت فى تمرير نتيجة الاستفتاء ، ووصلت بها إلى بر الأمان ، فهذا ليس نهاية المطاف ، ونحن على أعتاب مرور عامين على بداية طلب تعديلات المادة 76 ولا تبدو النهاية أمامنا واضحة للدستور المصري في القرن الواحد والعشرين .
و لكن هناك سؤالا استيضاحا أطرحه ، ولا أريد من أحد الاجابة عنه ، وهو من يحكم مصر ؟ وبأي كيفية يحكمها ؟ وما مرجعته وسنده ومصدر قوته فى الحكم ؟ ستقولون طبعا القانون و الدستور ، حسنا إذا كان الدستور هو المرجع و هو .. وهو .. إلى آخره .. فهل استعمل أو استخدم هذا الدستور طوال 25 عاما مضت ، وهل سمع أحد به وبنوده ؟ وهل تم الرجوع إليه طوال فترة حكم امتدت الى اكثر من 25 عاما " على سبيل المثال ؟ " مر ومضى كل هذا العمر ولم يحتكم إليه أحد ببساطة لأن جميع رغبات وأفكار الحاكم سواء كانت قانونية أو مزاجية كانت تنقذ و بأسرع ما يمكن دون الحاجه للرجوع لموارد هذا الدستور .
اذن فلماذا يقوم الحاكم الآن بطلب التعديل ؟ ويبدأ منذ عامين بطلب تعديل المادة 76 لفتح نافذة ديمقراطية لتعدد المرشحين لرئاسة الجمهورية ؟
طبعا هذا لم يكن نتيجة صحوة من الأحزاب والكيانات السياسية الموجودة على الساحة المصرية مؤخرا ، ولا رؤية الديمقراطية ظهرت فجأة وخطرت على بال الحاكم ، فقرر أن يعيد صياغة الهرم القيادي والرئاسي فى مصر ، ولكن هناك سببا آخر لهذا وفى اعتقادي هو أن السنوات الخمس الأخيرة وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر و ما صاحبها من إعادة الحسابات والرؤيا للدول التى يحكمها فرد وتخضع للحكم الفردي ، لا بد من إعادة النظر إليها ، وتغييرها لتتوافق مع المبادئ الديمقراطية ، حتى لا يخرج منها إرهابي يهدد المصالح الأمريكية والغربية ووضع مصر كان من الأوضاع التى يجب إعادة النظر إليها " رؤية أمريكية غربية " .
وعت وأدركت القيادة في مصر هذا الفكر وتلك العقيدة ، فكانت المبادرة التى أطلقها الرئيس " طلب تعديل واحدة من الدستور " وإتباع المثل العربي الشهير " بيدي لا بيد عمرو " سأبدا بالتعديل والتغيير ، حتى لو كان هذا التغيير و التعديل " مظهريا " أمام العالم وهى فرصة لضرب عصفورين بحجر
واحد : إفساح مهلة من الوقت ، ومد عمر الوضع القائم وإعادة ترتيب الحكم للسنوات المقبلة تحت مسمى " تعديلات دستورية " .
وإذا عبرنا تلك الأيام القليلة القادمة وهى . بإذن الله . سوف تعدى مثلها مثل كثير من الأحداث مرت ولم تحدث أى مشاكل تذكر . ماذا بعد هذا فى الحياة السياسية . وفى الحياة الرئاسية و الحكم فى مصر ، لا يستطيع أحد أن يتوقع ما الذي سوف يكون ، هل ستكون الأمور هي كما هي ولا تتغير ، لا أظن .. وتخيلي وتوقعاتي أنه سيتم تغيير دماء المجموعة الحاكمة ، والاستغناء بطريقة شيك عن المخضرمين من رجال الحكم والسلطة وإبعادهم عن مراكز اتخاذ القرار ، خاصة هؤلاء المسيطرين على الوزارات السياسية ، وهو شئ منطقي لاستفاد العمر الافتراضي لهم ، ولأنه ليس لديهم جديد ليعطوه ، وطبعا ليس هذا هو السبب ، لكن السبب الأهم و المنطقي هو تغيير نمط الحكم وتغيير أسلوب الحكم بطريقة تضمن لفئات معدودة و محدودة البقاء والاستقرار في كراسي الإدارة العليا .
انتهت التعديلات الدستورية، كما أراد لها من وضعوها بموافقة. أو عدم موافقة " مش مهم " كل الشعب والأحزاب والكيانات السياسية والوطنية المصرية " يرضه مش مهم " المهم أن الوضع القانوني والدستوري لهؤلاء أصبح لا تشوبه شائبة ولا يعكر صفو حياته أحد ، فهم مع القانون ويحكمون بالقانون والدستور شاهد على هذا فهل من معترض ؟ و العالم كله شاهد على ديمقراطية الاستفتاء والترشيحات والانتخابات ، فنحن دولة ديمقراطية .
تصعيد طبقة جديدة ووجوه جديدة من أبناء قبيلة لجنة السياسات بالحزب الوطني إلى مراكز حيوية ومؤثرة وقد يكون فى تغيير الوزارة " رئاسة الوزارة " و تغييرات فى بعض الوزارات لصالح استقرار أخر لسنوات أخرى " وهل من مزيد ؟ " ولكن أن يمتد التغيير والتعديل وفرض إجراءات بغرض إبعاد جماعة الإخوان المسلمين عن ممارسة السياسة تحت اسم حزب أو كيان سياسي ؟ فالنتيجة ستكون عكسية " و أقرب مثل على ذلك الانتخابات البرلمانية 2005 " وهذا التعنت و الإصرار على الإبعاد سيخلق نوعا من عدم الثقة مع الدولة ، وسوف تموت جماعات الإصلاح والأحزاب الجديدة قبل أن تولد .
عراقة مصر فى ممارسات الديمقراطية قديمة وفخر لكل راصد للحياة السياسية فى مصر و المقارن بين ما فات و لحاضر سيجد الكثير و الاستفتاء الأخير على تعديلات دستورية "
غير متفق عليها بغالبية مريحة " والذى اعترض عليها ربع أعضاء مجلس الشعب ، تستحق أن تعاد صياغتها وبنودها لتكون مرضية لأكثر من 88% على الاقل من أعضاء المجالس النيابية الممثلة للشعب .
و الرجوع للحق فضيلة ، ويرفع قيمنا وحضارتنا أمام العالم ، لو أن رئيس الجمهورية أدرك أن هناك نسبة ليست بالبسيطة معترضة ،وغير موافقة على التعديلات فلماذا لا يتراجع ؟ و التراجع سيكون محمودا من كل أبناء الشعب ، و سيشعر الشعب أن أصواتهم مسموعة و عالية و يحسب لها حساب .
قيمة الرؤساء و الزعماء تحسب بالمواقف غير النمطية و غير التقليدية ، التى ترعى مصالح الشعوب فوق المصالح الشخصية و الفوائد الزائلة ، فهل يستمع السيد الرئيس لهذا ؟
سيدي الرئيس مع خالص حبى و اعتزازي بشخصكم الكريم و تاريخكم المشرف حربا وسلما فاننى أرجو أن تسمع منا و لا تسمع علينا و لننظر إلى ما بعد الاستفتاء ، وما بعد تلك التظاهري و موقف المواطن الذى قال نعم للتعديلات و موقف الذى امتنع عن التصويت ، ما الذى ينتظره بعد أن أدى واجبه الوطني و القومي بالمشاركة الإيجابية ؟ هل هناك أمل فى حياة أفضل .. وفى تنمية اقتصادية محسوسة ؟
من يحكم مصر ؟
أنور عصمت السادات
0 comments :
إرسال تعليق