احسبوها بالورقة والقلم!

المصرى اليوم

بقلم سليمان جودة

تعالوا نحسبها ونتصور طفلاً جاء إلي الوجود صباح ٢٢ مايو ١٩٨٠، وهو اليوم الذي قرر فيه السادات، تعديل المادة ٧٧ من الدستور، بما يجعل الرئيس يبقي في منصبه طول العمر.. هذا الطفل، دخل المدرسة، وذهب إلي الجامعة، وخرج منها، وسوف يبلغ السادسة والعشرين، في ٢٢ مايو المقبل.. ولكن، ليس هذا هو المهم.. فالأهم هو أنه بلغ سن الرشد في ٢٢ مايو ٢٠٠١،

وأصبح منذ هذا التاريخ، حراً في أن يتصرف فيما يملكه، ومسؤولاً عنه، لأنه ناضج في نظر القانون، وفاهم وقادر علي المسؤولية، وفي إمكانه، أن يختار ما يناسبه في الحياة، وفي مقدوره أن يرفض طريقاً، وأن يمشي في طريق آخر.. يعني صاحب أهلية كاملة!!

غير أن كل هذا، قد نزعته المادة ٧٧ من الشعب المصري كله، بعد تعديلها، وأصبح الشعب، الذي كان موجوداً قبل هذا الشاب، وسوف يظل موجوداً من بعده، غير ناضج في نظر المادة ٧٧، لأنها تعاملت معه من يومها، علي أنه لم يبلغ سن الرشد، وإذا بلغها، فسوف يبلغها عند نهاية حكم كل رئيس، وليس في حياته، حتي ولو جلس الرئيس مائة سنة علي الكرسي،لأن المفروض، أن الشعب الأمريكي، مثلاً، يمارس مقتضيات بلوغ سن النضج، كل ثماني سنوات، ويختار بكامل قواه العقلية، وبإرادته الكاملة، رئيساً جديداً..

والشعب الفرنسي، يبلغ سن الرشد، كل عشر سنوات، ويقرر ما يراه، بكامل حريته.. وهكذا.. وهكذا.. أما نحن فقد ارتبط البلد كله، حسب نص المادة ٧٧ بعمر الرئيس.. أي رئيس.. وليس بعشر، أو عشرين، أو حتي ثلاثين سنة..

وفرضت هذه المادة علي الـ٧٥ مليون مصري أن يظلوا تحت سن النضج، وأن يكونوا مراهقين، غير قادرين علي الاختيار، أو التفرقة بين ما ينفع، وما يضر! وجعلت الرئيس، هو الذي يختار لهم، لأنهم تحت وصاية غير معروفة حدودها، بموجب نص المادة الصريح!!

إن الرئيس مبارك، رجل معتدل.. ولكن.. ماذا لو كان حسني مبارك، هو صدام حسين؟ وماذا لو كان الرئيس مبارك دموياً، وديكتاتوراً، ومتسلطاً مثل الرئيس العراقي؟!.. هل كان علينا، عندئذ، في ظل بقائه في السلطة، أن يكون مصيرنا مثل مصير العراق الآن؟!.. وهل كان علي البلد أن ينفجر بعضه في بعض، وأن يأكل في بعضه، بعد طول كبت، كما يحدث حالياً في بغداد؟!

لقد كنا نتوقع، ولانزال نتوقع، أن يسارع الرئيس، ويستجيب لرغبة الناس، في أن يبلغوا سن النضج، مثلهم مثل أي شعب آخر، كل ١٢ سنة، وأن يكون لهم حق اختيار رئيس جديد، كلما مرت هذه الفترة، وأن يجددوا دماءهم، وحياتهم، ويمارسوا ما يمارسه الشاب، إذا بلغ سن الرشد، وصار مستقلاً عن أبيه، وأسرته، وأهله، وراغباً في أن تكون له حياته الخاصة، التي يرسم ملامحها بنفسه، ويحدد معالمها بيديه، دون ضغوط، أو وصاية من أحد.

وقد كان أكثر دليل، علي أن السماء رفضت تعديل المادة ٧٧، هو أن الرئيس السادات، رحل بعده بشهور، ولم يستفد منه بأي شيء!!.. وقد استمتع به غيره!!.. ولكن الشعب هو الذي دفع، ويدفع الثمن.. ولا يزال!!

فمتي نتوقف عن دفع هذه الفاتورة الباهظة؟ ومتي نبلغ سن النضج؟ ومتي تتعامل معنا المادة ٧٧، علي أننا لسنا مراهقين؟!

.. سألني كثيرون، ومن بينهم النائب المستقل أنور عصمت السادات، فقالوا: لماذا تشكو إلي الرئيس السادات، وتطالبه بأن يتراجع عن «تعديل الهوانم» في المادة ٧٧، بينما هو بين الأموات، لا يملك أن يفعل شيئاً.. فقلت: وهل هناك أمل في الأحياء؟

0 comments :

إرسال تعليق