عصام كامل
قال السيد محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية إنه بصدد التواصل مع بعض المستقلين والأحزاب الأخرى لتشكيل معارضة وطنية داخل مجلس النواب، وأبدى الرجل اندهاشه من خسارة مجلس النواب لأشخاص بارزين أمثال أحمد طنطاوى وهيثم الحريري، وأكد السادات لزميلنا محمد زكريا محرر شئون الأحزاب بفيتو أن تشكيل معارضة داخل المجلس ستكون ضرورة ملحة وداعمة للدولة.
وما فهمته من كلام السادات وأؤمن به إيمانا كاملا أن فكرة دعم الدولة لا تعني التطبيل أو التهليل لكل قرار صادر أو قانون تتقدم به الحكومة، فالتباين هو إحدى سمات الحياة وضرورة مهمة لتصويب الأمور.
المعارضون فى المجلس السابق ولم يلتحقوا بقطار المجلس الحالى لظروف متعددة أدوا أدوارا وطنية مهمة، وكان لهم صوت واضح ضد عديد من القرارات والقوانين، كانوا ببساطة ملح المجلس ونكهته التى نفت عنه صفة لازمته طوال دورات انعقاده، وهى سمة التطبيل الدائم وبلا وعي.
فتاوى ساسة أمريكا
الأمل فيما قاله السادات وما تحمله الأيام القادمة من تشكيلات سترسم ملامح المجلس القادم، حيث ينتظر الناس صولات وجولات لمعارضة وطنية تعارض من أجل مصر، وهى دولة كبيرة لا يمكن تصور أن تسير بنفس النمط الذى سارت عليه فى فترات الريبة السياسية والأمنية.. نحن الآن أكثر استقرارا وأكثر أمنا وأكثر وعيا بما يجب أن تكون عليه صورة المعارضة.
كثير من المثقفين والسياسيين استوعبوا الدرس وتعلموا فى الفترة الماضية كيف تدار الأمور من داخل النظام، أى أننا أصبحنا أكثر إيمانا بالتغيير من الداخل، ولن ننتظر آخرين يفرضون علينا أجنداتهم، ولن نكون مطية لنظام عالمي يتغير وفق ما جرى على الساحة الأمريكية.. لابد من أصوات تمارس دورها المعارض عندما تجد أن المعارضة تصب فى صالح الوطن.
تشكيل المجلس مهما كانت تحفظاتنا توحي بوجود أنماط متعددة فى التيارات السياسية القائمة داخله.. هناك يساريون ويمينيون ووسط ومستقلون، وهى خريطة معقولة لو ضمنا لها ممارسة أدوارها بشكل شفاف، دون استخدام نموذج التصفيات المعنوية لبعض المعارضين.
تاريخيا استفاد الأنبياء من معارضيهم، واستفاد المنتصرون من وجود معارضة تصوب بوصلة الحكم، وتقدم رؤى مغايرة لما يقدمه النظام، ولم يستفد المهزومون من طوابير المطبلين الذين هم أول الهاربين عندما يحتاج الوطن إليهم، ووجود المعارضة يعنى أن لنظام الحكم «فرامل» يمكن استخدامها عندما يكون التوقف حماية من السقوط فى الهاوية.
ومصر لديها رصيد يعود لأكثر من مائة عام فى تجربة التعدد، وما نطالب به الآن ليس اختراعا «للعجلة» إنما هو النظام الذى أثبتت تجارب الدنيا كلها أنه الأفضل لضمان تداول سلمي للسلطة.
المواطن دايما مخالف!
ما وقع فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام ومع اقتحام الكونجرس من اتباع دونالد ترامب لم يكن مخيفا، مثلما يحدث من انقلابات قد تستخدم القوة والعنف طريقا للتغيير، كان المواطن الأمريكى رغم غرابة المشهد مطمئنا إلى أن بلاده تمتلك من المؤسسات، ما يجعلها قادرة على استيعاب الصدمة والعبور بالوطن إلى بر الأمان..
ووجود المعارضة لا يعني تخوين الأغلبية بل بالعكس مناقشة الأمور المطروحة تصبح أكثر عمقا كلما اختلفنا حولها، وأظهر كل جانب مناطق القوة والضعف فيما سيتخذ من قرارات أو يصدر من قوانين، وكما يخطط حزب الأغلبية إلى طرح رؤى من شأنها رفعة الوطن فإن وقوف المعارضة ضدها ينطلق من نفس المنهج، وهو الصالح العام وفى النهاية الرابح هو المواطن والوطن.
على حدودنا عدو محتل يمارس شكلا من أشكال الديمقراطية، ومهما اختلفنا حولها إلا أنها ظلت اللوحة التى يصدرها للعالم، وسط بقعة من الكرة الأرضية غيبت الحريات وحبست أنفاس مواطنيها، فلم تكن النهاية سوى هزائم متتالية لنا وانتصارات متعاظمة للكيان الغاصب الذى يستفيد من المتطرفين فى ضم الأرض وتهديد السكان الأصليين وتنفيذ أجندة متعصبة وغير إنسانية وكله تحت شعار «الفوز بالأصوات» والاحتكام إلى الصناديق.
انتهى زمن الوصاية منذ عقود، وانتهى عصر الحزب الواحد إلا فى تجارب استطاعت أن تمارس المعارضة داخل التنظيم الواحد فحققت نجاحات تنموية، ولاتزال شعوبها تطمح فيما هو أبعد من ذلك.
وخلاصة القول: إن الحرص على إتاحة الفرصة لمعارضة وطنية تمارس دورها فى إعادة الحياة والحيوية إلى التجربة السياسية واحدة من أهم خطوات مواجهة قوى الظلام التى تستفيد كثيرا كلما ضاقت مساحة الحوار والمعارضة، وهذا يعنى أن دور الأغلبية هو الحفاظ على المعارضة لتكون ناقوسا لها تقف صامدة ضد كل ما تتصور أنه لا يصب فى صالح البلاد والعباد، وليس من العنترية أن تستمر موجة التصفيات المعنوية لكل من يخالف رأي الأغلبية.